{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}: قوّينا عزائمهم .
{شَطَطًا}: خروجاً ومجاوزة عن الحدّ .
تقوية عزيمة المؤمنين
تشير هذه الآيات إلى الحالة الروحية والمعنوية للفتية في ما كانوا يلتزمونه من إيمانٍ ،وما يطرحونه من فكرٍ أمام المجتمع الكافر الطاغي ،الذي لا يملك فكراً يقنع به المعارضين له ،بل يملك قوّةً تضغط على حريات الناس ،وتصادر قرارهم ،وتضطهد واقعهم ...فيضعفون أمامها ،وينسحقون تحت تأثير سلطتها ،فيوافقون على ذلك كله .
ولكن لم يكن هؤلاء المؤمنون في هذا الموقع الضعيف ،بل كانوا في موقع القوة التي استمدوها من الله ،فأعلنوا موقفهم بكل جرأةٍ وصراحةٍ ،وواجهوا الضغط بمسؤوليةٍ وواقعيةٍ .
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي شددنا عليها ،وأوحينا إليهم بالقوّة أمام التحدّي ،فلم تهتز أمام التهديد ،ولم تعش الحيرة والقلق في مواقع الضغط ،بل ثبتت من موقع القناعة المرتكزة على قاعدة الإيمان العميق .
{إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} لقد كان قيامهم في مجتمعهم ،أمام الطغاة ،أو أمام خط الكفر والانحراف ،فلم يقعدوا ،أو يسترخوا ،أو يعيشوا الأجواء اللاهية العابثة التي تحاول أن تتخفف من المسؤولية بالأعذار الواهية التي لا تقنع أصحابها فضلاً عن غيرهم .لقد كان حسّ المسؤولية عميقاً في نفوسهم ،لأنهم يشعرون أن السكوت عن الباطل ،والخوف من إعلان الحق أو من ممارسته ،يشجع المنحرفين على الامتداد في خط الانحراف ،ويمنع المؤمنين من الانطلاق بقوّةٍ في خط الإيمان ،ولذا كان القيام يمثل حركة المسؤولية في إيمانهم ،سواء كان قيامهم بين يدي ملك زمانهم دقيانوس الجباركما يقول بعض المفسرينالذي يحتمل أنهم كانوا في مجلسه ،أو كان قيامهم في مجتمعهم الذي يعبد الأوثان ،ويصدر عنه الأمر بالسير على هذا المنهج ،ويجبر الناس على ذلك ...فكان قيامهم بالإعلان عن رفضهم لكل الواقع الفكري والعبادي الذي يعيشون فيه ،والدعوة إلى الله بدلاً من ذلك .وربما كان المقصودوهو الأقرب إلى جو الآيةقيامهم لله ونصرة الحق ،من دون نظر إلى المكان ،أو إلى الشخص .{فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} قالوا هذه الكلمة ،ليؤكدوا الحقيقة الإيمانية التي تضع الإنسان في الدائرة الكونية الواسعة التي تشمل السّموات والأرض وما فيهن وما بينهن ،فهو جزء من هذا العالم الرحب المخلوق لله ،فلا يختص بربٍّ معينٍ ليعبده من دونه ،أو ليشركه بعبادته .ولذلك لم يكتفوا بالإعلان عن هذه الحقيقة ،بل أعلنوا الرفض لفكرة كل الآلهة المدّعاة ،في شكل بشرٍ ،أو حجرٍ ،أو أيّ شيءٍ آخر ...{لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلهاً} لأن ذلك لا يمثل أيّ موقع ٍللحق ،بل هو الباطل في أكثر من صورة ،{لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} لو قلنا بما يقوله هؤلاء المشركون ،لكنابذلكنخرج عن الحدّ المعقول للفكر ،ونتجاوز عن الحقوهذا هو معنى الشطط.