ثم بين تعالى صبرهم على مخالفة قومهم ،ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد ،بقوله سبحانه:
{ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ( 14 )} .
{ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي قويناها بالصبر على المجاهدة .وشجعناهم على محاربة الشيطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران .ومخالفة النفس وهجر المألوفات الجسمانية واللذات الحسية والقيام بكلمة التوحيد .وقيل جسرناهم على القيام بكلمة التوحيد ،وإظهار الدين القويم ،والدعوة إلى الحق عند ملكهم الجبار .لقوله تعالى:{ إذ قاموا} أي بين يديه غير مبالين به .و ( إذ ) ظرف ل{ ربطنا} .قال الشهاب:( الربط ) على القلب مجاز عن الربط بمعنى الشد المعروف .أي استعارة منه .كما يقال ،رابط الجأش .لأن القلق والخوف ينزعج به القلب من محله ،كما قال تعالى:{ وبلغت القلوب الحناجر} فشبه القلب المطمئن لأمر ،بالحيوان المربوط في محل .وعدى ( ربط ) ب ( على ) وهو متعد بنفسه ،لتنزيله منزلة اللازم{ فقالوا ربنا} الذي نعبده{ رب السماوات والأرض} بحيث يدخل تحت ربوبيته كل معبود سواه .
{ لن ندعوا} أي نعبد{ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي ذا بعد عن الحق ،مفرط في الظلم .