وقوله تعالى:
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ( 13 )} .
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ} شروع في تمام بسط قصتهم وتفصيلها .و ( الحق ) الأمر المطابق للواقع{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} أي بوجدانيته إيمانا يقينيا علميا على طريق الاستدلال ،مع اتفاق قومهم على الشرك{ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} أي بترجيح جانب الله على جانب أنفسهم .قال ابن كثير:الفتية – وهم الشباب – أقبل للحق وأهدى للسبيل ،من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل .ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابا ،وأما عامة شيوخ قريش فاستمروا على ضلالهم ولم يسلم منهم إلا القليل .وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا .وقد يروى عن هؤلاء الفتية روايات مضطربة .أوثقها أن هؤلاء ،كان قدم إلى مدينتهم من يدعو إلى الإيمان بالله تعالى ،وبما جاء به عيسى عليه السلام .ممن كان على قدم الحواريين .فاستجاب لذلك الفتية المنوه بهم .وخلعوا الوثنية التي عليها قومهم وفروا بدينهم خشية أن يفتنهم ملكهم عن دينهم أو يقتلهم .فاستخفوا عنه في الكهف .واعتزلوا فيه يعبدون الله تعالى وحده .ثم روي أن الملك طلبهم .فقيل:دخلوا هذا الكهف ،فقال قومهم:لا نريد لهم عقوبة ولا عذابا أشد من أن نردم عليهم هذا الكهف ،فبنوه عليهم ثم ردموه .ثم إن الله بعث عليهم ملكا على دين عيسى .فرفع ذاك البناء الذي كان ردم عليهم .فقال بعضهم لبعض:كم لبثتم ؟ فقالوا:لبثنا يوما أو بعض يوم حتى بلغ{ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} وكان ورق ذلك الزمان لدولة أهله .فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعام .فلما ذهب ليخرج رأى على باب الكهف شيئا أنكره فأراد أن يرجع .ثم مضى حتى دخل المدينة .فأنكر ما رأى .ثم أخرج درهما فنظروا إليه فأنكروه وأنكروا الدرهم .وقالوا:من أين لك هذا ؟ من ورق غير هذا الزمان .
واجتمعوا عليه يسألونه .وقيل له:انطلق فأرنا أصحابك .فانطلق وانطلقوا معه ليريهم .فدخل قبل القوم فضرب على آذانهم ف{ قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} هذا ما أورده ابن جرير أولا ،وفيه كفاية عن غيره .
وسنذكر في آخر نبئهم ما عند أهل الكتاب النصارى من شأنهم .
وقد قيل إنهم كانوا في مدينة يقال لها ( طرسوس ) من أعمال طرابلس الشام .وفيها من الآثار القديمة العهد ،في جبل بها ،ما يزعم أهلها زعما متوارثا ،أنه لأصحاب الكهف .والله أعلم .