القول في تأويل قوله تعالى:هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
يقول عز ذكره مخبرا عن قيل الفتية من أصحاب الكهف:هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها من دونه ( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) يقول:هلا يأتون على عبادتهم إياها بحجة بينة ، وفي الكلام محذوف اجتزئ بما ظهر عما حذف، وذلك في قوله:( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) فالهاء والميم في "عليهم "من ذكر الآلهة، والآلهة لا يؤتى عليها بسلطان، ولا يسأل السلطان عليها، وإنما يسأل عابدوها السلطان على عبادتهموها، فمعلوم إذ كان الأمر كذلك، أن معنى الكلام:لولا يأتون على عبادتهموها، واتخاذهموها آلهة من دون الله بسلطان بين.
وبنحو ما قلنا في معنى السلطان، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) يقول:بعذر بين.
وعنى بقوله عز ذكره:( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )
ومن أشدّ اعتداء وإشراكا بالله، ممن اختلق، فتخرّص على الله كذبا، وأشرك مع الله في سلطانه شريكا يعبده دونه، ويتخده إلها.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) البيت غير منسوب. واللقاح:هي النوق ذوات اللبن ، تنتج في أول الربيع فتكون لقاحا ، واحدتها لقحة ( بفتح اللام وكسرها ) فلا تزال لقاحا حتى يدبر الصيف عنها . ( انظر اللسان:لقح ) . وتروحت:عادت من مراعيها إلى مراحها. أو تروحت:أصابتها الريح . والهدج ( بسكون الدال ) مصدر هدج يهدج هدجا وهدجانا ، وهو المشي الرويد في ضعف . يقال:هدج الظليم يهدج هدجانا والرئال:جمع رأل ، وهو ولد النعام ، وخص بعضهم به الحولي . ويقال في جمعه:أرؤل ، ورئلان ، ورئال ، ورئالة ( اللسان:رأل ) وتكبهن:تلقيهن على صدورهن في الأرض. والشمال:الريح تهب من جهة الشمال . شبه سير اللقاح في رجوعها إلى مراحها بهدجال الرئال ، وهو مشي ضعيف يريد أن اللقاح في ذلك الوقت تهدج في سيرها هدج الرئال حين تسوقهن ريح الشمال .
والشاهد في قوله:تكبهن شمالا ، فإن شمالا منصوب على التمييز ، وهو محول عن الفاعل . والأصل تكبهن شمال . وهو نظير نصب كلمة من قوله تعالى:( كَبُرَتْ كَلِمَةً ) فإن كلمة منصوبة على التمييز ، وهو تمييز نسبة محول عن الفاعل والأصل كبرت كلمة ( بالرفع ).
(2) البيت في ديوان ذي الرمة طبع كيمبردج سنة 1919 ص 251 من القصيدة الثانية والثلاثين وعدتها ثمانية وسبعون بيتا. والباخع القاتل:ونحته عدلته وصرفته . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1:393 ) قال:"فلعلك باخع نفسك ":مهلك نفسك . قال ذو الرمة:"ألا أيهذا ... "البيت.
أي نحته مشدد. ويقال بخعت له نفسي ونصحي:أي جهدت له وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 183 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) باخع نفسك مخرج ، وقاتل نفسك .أه وفي ( اللسان بخع ) نفسه يبخعها بخعا وبخوعا:قتلها غيظا أو غما . وفي التنزيل ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ) قال الفراء:أي محرج نفسك ، وقاتل نفسك . وقال ذو الرمة "ألا يهذأ ...بشيء... "البيت . وقال الأخفش:بخعت لك نفسي ونصحي:أي جهدتها . أبخع بخوعا.
(3) البيت من مشطور الرجز . وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن 1:394) قال جرزا:أي غلظا لا ينبت شيئا ، والجميع:أرضون أجراز . ويقال للسنة المجدبة:جرز ، وسنون أجراز، ولجدوبها ، ويبسها، وقلة مطرها . ثم أنشد بيتا لذي الرمة ، ثم بيت الشاهد ، والبيت أيضا من شواهد ( اللسان:جرز ) قال:وسنة جرز:إذا كانت جدبة . والجرز السنة المجدبة قال الراجز:"قد جرفتهن ..."البيت ، ومعنى وجرفتهن:أي ذهبت بهن كلهن أو جلهن . والضمير راجع إلى إبله . ويجوز أن يكون معنى جرفتهن بالتشديد:هزلتهن ، وذهبت بما فيهن من شحم ولحم ، ولقلة المرعى.
(4) شعيب الجبئي:هو شعيب بن الأسود الجبئي المحدث من أقران طاووس ، أخذ العلم عنه محمد بن إسحاق وسلمة بن وهران . وهو منسوب إلى الجبأ ، بالهمز والقصر ، كما قال الهمداني في صفة جزيرة العرب في مواضع ، وهو كورة المعافر ، بالقرب من الجند ( انظر معجم ما استعجم للبكري ، طبعة القاهرة ، في رسم الجبأ ص 360 ) .
(5) قال القرطبي في تفسيره (10:360) وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه ، ونقلها عن الطبري .
(6) البيت للنابغة الذبياني ، في ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ص 152 ) من قصيدته التي مطلعها:يــا دار ميــة بالعليــاء فالسـند
وهي خمسون بيتا ، والشاهد هو السادس والعشرون منها . قال شارحه:الأمد الغاية التي تجري إليها ( وعلى هذا استشهد المؤلف ) يقول:لا تنطو على حقد وغضب ، إلا لمن هو مثلك في الناس ، أو قريب منك.
(7) البيت للأحوص بن محمد . وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1:394 ) قال:( قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ):أي جورا وغلوا ، قال ألا يـا لقـوم قـد أشـطت عـواذلي
...البيت وذكر بعده بيتا آخر وهو:
وَيَلْحَــيْنِي فـي اللَّهْـوِ أنْ لا أُحِبُّـهُ
وللَّهْــوِ داعٍ دائِــبٌ غـيرُ غـافِلِ
وفي ( اللسان:شطط ):الشطط:مجاوزة القدر في بيع أو طلب أو احتكام أو غير ذلك من كل مشتق منه . أه . وقال:وشط في سلعته وأشط:جاوز القدر ، وتباعد عن الحق . وشط عليه في حكمه يشط شططا. واشتط ، وأشط:جار في قضيته . وقال أبو عبيدة:شططت أشط، بضم الشين ، وأشططت:جرت . قال ابن بري:أشط:بمعنى أبعد، وشط بمعنى بعد . وشاهد أشط بمعنى أبعد ، قول الأحوص:* ألا لقـومي قـد أشـطت عواذلي *
...البيت.