ثم ذكره سبحانه بعد ذلك إيجابيا عطاء مفصلا ، فقال سبحانه وتعالى ما يدل على نعيمهم من ثيابهم ، واطمئنانهم ، فقال:{ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار} ،{ أولئك} إشارة إلى هؤلاء المتصفين بهاتين الصفتين الإيمان والعمل الصالح ، والإشارة إلى الموصوف تدل على أن الصفة سبب الحكم ، وفي هذا تأكيد بأن العمل الصالح والإيمان سبب الجزاء ، كما أشار سبحانه وتعالى في الآية السابقة ، وفي هذا النص جزاءان:
الجزاء الأول:الاستقرار والإقامة الدائمة ، وذلك بذكر جنات عدن .
والجزاء الثاني:طيب النظر وما يكون به ارتياح النفس ، وطيب المجلس وهو أن الأنهار تجري من تحتهم في ظلال أشجارها فتجري الأنهار من تحت الأشجار الملتفة المتصلة ، فتلتقي راحة النفس مع جمال المنظر ومع الاستقرار والاطمئنان ، وقد أضاف الله تعالى إلى هذا النعيم ، نعيم الثياب الذي يكون دليلا على العز والترف لمن حرموا منه في الدنيا ، فقال تعالى:{ يحلون فيها من أساور من ذهب} ، وأحسب أن{ من} الأولى والثانية للبيان ، أي يحلون أساور هي ذهب ويلبسون ثيابا خضرا ، والثياب الخضر تكون فيها نضرة ، وتطمئن لها النفس وهي لون الزروع النضرة{ من سندس} ، أي حرير خفيف{ وإستبرق} ، أي حرير كثيف ،{ متّكئين فيها على الأرائك}أي الفراش اللين المبثوث في حجراتهم ، وقد مدح الله تعالى ذلك الجزاء ، فقال:{ نعم الثواب} ، أي أن هذا الثواب ممدوح بالغ أقصى درجات حسن المنظر والرئي ،{ وحسنت مرتفقا} ، أي ما أحسنها مرتفقا ، والضمير في حسنت يعود إلى جنات عدن ، والمرتفق أصله من الاتكاء على المرفق ، وهو دليل الاطمئنان والراحة والنعيم .
ويذكر أن الجزاء في هذه الآية الذي اختص بالحلي ، والثياب النضرة الحرير ، رقيقها وكثفيها هو أخص متع النساء وخصوصا حلي الذهب والأساور منه ، فلم يعهد ذلك حليا للرجال ، ولكنه متعة للنساء في الدنيا فسيكون متعة المؤمنات الصالحات في الآخرة ،{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} .