أما النفس المؤمنة وهي التي تتمثل في الرجل الآخر الذي هو أحد الرجلين اللذين ضرب بهما المثل ، فإنه يتمثل فيها الرجل المؤمن فهي تحس:
أولا:بأن الله هو الخالق ، وأنه خلق الإنسان من تراب وأنه الواحد الأحد .
ثانيا:وأنه هو المعطى ، والمعطى يستحق الشكر .
ثالثا:والتفويض إلى الله ، والإحساس بأن كل شيء عطاء منه بعد اتخاذ الأسباب .
رابعا:وبأنه موضع الرجاء على أن تفويض الأمر إليه ، وأن من أعطى يمنع إذا اغتر من أعطاه ، ورغب عن طاعته ، وأن عليه أن يتذكر المنع عند العطاء ، وأن يتذكر حاله إذا فقد النصير وهذا جوابه لما حاوره صاحبه مفاخرا:
{ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا 37} .
هذا هو التأكيد الأول يقول له:إنك نسيت خلقك الأول أنشئت من تراب ثم من ماء مهين ، ثم كانت أدوارك من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات نطفة في قرار مكين ، ثم مضغة ثم عظاما ثم كسونا العظام لحما ثم صرت رجلا سويا ، وخلقت ضعيفا في كل أدوارك ثم صرت رجلا غرك الغرور ، أشار إلى كل هذا في كلماته الموجزة المشيرة والموضحة ، ونبهه إلى أنه كفر بكل هذا في استفهام إنكاري توبيخي ، لأنه لإنكار ما وقع منه من كفر بربه الذي خلقه فسواه في أحسن تقويم .
فحاله حال كفر وإنكار للنعمة ، وجهل لحقيقة أمره فذكره ذلك كله وأنه بهذا الطغيان والغرور ونسيان البعث وإهماله لطاعات الله تعالى قد كفر بالله أشد الكفر .