ثم بين تعالى ما أجابه به صاحبه المؤمن ،واعظا له ،وزاجرا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار ،بقوله:
{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ( 37 )} .
{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} أي الذي عيره بالفقر ،تعييرا له على كفره{ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي يراجعه كلام التعيير على الكفر ،محاورته كلام التعيير على الفقر ،في ضمن النكر عليه{ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي بجعل التراب نباتا ثم جعله غذاء يتولد منه النطفة{ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} أي عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال .قال أبو السعود:والتعبير عنه تعالى بالموصول ،للإشعار بعلية ما في حيز الصلة ،لإنكار الكفر .والتلويح بدليل البعث الذي نطق به قوله تعالى عز من قائل:{ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} الآية ،وكما قال تعالى:{ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم} الآية .قال ابن كثير:أي كيف تجحدون بربكم ،ودلالته عليكم ظاهرة جلية ،كل أحد يعلمها من نفسه .فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما ثم وجد .وليس وجوده من نفسه ولا مستند إلى شيء من المخلوقات ،لأنه بمثابته .فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه ،وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء .ولهذا قال صاحبه المؤمن:
{ لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ( 38 )} .