{ مالهم به من علم} كلمة{ من} هنا لاستغراق النفي ، أي ما لهم أي علم ، بل يرمون القول من غير تفكر ، ولا تدبر ، من سيطرة الأوهام التي أوجبتها الفلسفة التي قارنت تحريف النصرانية من مسيحية إلى وثنية متبعين الأفلاطونية الحديثة التي كانت في آخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلادي ، وقد خلت ألوهية المسيح في هذه العقائد المنحرفة حتى سنة 352 من الميلاد ، وأخذت تسري في الجموع النصرانية حتى اختفى الحق وظهر الباطل .
وإن ادعاء النبوة هذا ما نشأ إلا من الجهل ، وسيطرة الوهم ، ولذا قال سبحانه:{ ما لهم به من علم} ، إنما هو الهوى والوهم ، وهما يفسدان كل تفكير .
وقال تعالى:{ ولا لآبائهم} لا لتأكيد النفي ، فنفى عنهم العلم لعدهم مقلدين متبعين ، وعن آبائهم الذين قلدوهم لأنهم الذين سهلوا تلك الأوهام في نفوسهم ، فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل .
وإن هذه الفرية أشد فرية أضلت العقول حتى أنه بعد ما فهموا بعض الفهم أخذوا يتأولون ، ويدعون أنهم لا يقولونها لا فرار منها ولكن هو تلبيس على الناس ليدفعوا عن أنفسهم أنهم يتكلمون بغير معقول .
ولقد قال تعالى في عظم ما توهموا ثم افتروا:{ كبرت كلمة تخرج من أفواههم} ،{ كلمة} تمييز وهي منصوبة على أنها تمييز ، وهناك قراءة بضم التاء .
وعلى تخريج أن القراءة بنصب التاء تكون بمعنى الذم الشديد ، ويكون المعنى بئست كلمة تخرج من أفواههم والأحسن أنها تكون بمعنى التعجب ، أي ما أكبر فظاعتها وفسادها ، وقوله تعالى:{ تخرج من أفواههم} ، أي أنها ثقيل خروجها من الأفواه لبعدها عن كل معقول ، ونفرة أي فكر منها ، ولكنهم يستطيبونها فإن سألتهم عن مدلولها لم يحيروا جوابا ، واضطربوا كل مضطرب إلا أن يقولوا حقا أو معقولا وسبحان من خلق المهتدي والضال .
{ إن يقولون إلا كذبا} ، إن للنفي ، أي لا يقولون إلا كذبا لا مساغ له من حق ، ولا يقوله مدرك فاهم يعرف حقيقة الألوهية ولله في خلقه شؤون .