تفاهة أدلة عقيدة الشرك
{مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَآئِهِمْ} لأنهم لا يملكون أيّة أدلّةٍ أو براهين على هذه العقيدة ،بل ينطلقون من انطباعاتٍ ساذجةٍ ،متخلّفةٍ ،ناشئةٍ من الاستغراق في الجوانب البارزة للخصائص غير العادية أو غير المألوفة لهذه المخلوقات ،التي يمنحونها هذه الصفة من دون التفاتٍ إلى أن الله قد يمنح بعض عباده قدرات لا يمنحها لغيرهم ،لأن هناك دوراً محدّداً يفرض ذلك ،أو لأن طبيعة الموقع الذي يتحرك فيه هذا المخلوق يتوقف على ذلك .فالله الذي أعطى القدرة المألوفة ،هو الذي يعطي القدرة غير المألوفة ،بالإضافة إلى أن الألفة لا تمنح الشيء الحالة الذاتية الطبيعية ،ليكون المقابل لها حالةً خارقةً خارجةً عن الطبيعة ،فلو دققنا في عمق هذه الحالة أو تلك ،لرأينا سرّ الإبداع والعظمة مشتركاً بينهما ،في نوعية الخصائص التي يتميز بها هذا عن ذاك ،ولكن الألفة تخفف عظمة الأشياء في الوجدان .
وهذا ما يفرض علينا ،في المنهج التربويّ للتصور ،عدم الاستغراق في الظواهر المثيرة أو إعطائها قداسةً غير حقيقيةٍ ،من خلال مشاعر الانبهار التي يخضع فيها الإنسان لإحساسٍ غير طبيعيٍّ في استيحاء العظمة الخارقة من بعض الظواهر ،لأن الجهل بعمق السرّ الحقيقي للحالة أو للظاهرة ،لا يعني أن نقفز إلى وضع التقديس لنجعله الوجه البارز للمسألة أو العمق الطبيعي لها ،من دون أساسٍ للاستغراق في دائرة التهاويل الغامضة المسيطرة على الفكر والشعور .
لا بد للمنطق التقديسي من موازين دقيقة
وربما كان علينا أن نعطي الأشياء حجمها الطبيعي في الدائرة الإنسانية عندما تتصل المسألة بتعظيم إنسانٍ ما ،إذ لا بد من أن ندخل في عملية تقييمٍ دقيقةٍ للمنطق التقديسي من خلال الخصائص المميزة ،لنعرفجيّداًهل هي متصلة بالذات في جوانب العظمة في عالم الأسرار ،أو هي متصلة بالدور في مواقع الحركة للرسالة أو للرسول أو للوليّ ...وبذلك نبتعد عن التضخيم الذي يقودنا إلى الغلو في الشخصية إذ نمنحها ما ليس فيها ،وبالتالي إلى الانحراف في العقيدة والعمل .
ولعلنا إذا درسنا الكثير من التصورات الفكرية في العقيدة للأشخاص وللأحداث ،لرأينا أننا في تقويمنا لها نحمِّلها أكثر مما تتحمل ،وأننا لا نملك الكثير من الأسس العلمية ،أو المصادر الموثوقة لكثير من هذه التصورات والانطباعات ،تماماً كهؤلاء الذين بلغ انحرافهم في الجانب الشعوري الغامض المتعلق بالأشحاص والأشياء إلى الموقع الذي جعلوهم فيه أبناءً لله من دون أساسٍ علميٍّ ثابتٍ .
مصير الإنسان مرتبط بصوابية تصوراته لله تعالى
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} لأنها الكلمة التي تسيء إلى موقع الله في الوجدان ،وموقعه في ذاته ،وتنحرف بالإنسان عن التوازن في فهم مسألة الألوهية .وهذا ما يعطي الكلمة الخطورة السلبية ،لأنها تتعلق بالعقيدة في الله الذي هو مصدر الوجود ،ولا شك أن التصور الصحيح أو الخاطىء يقود المسيرة الإنسانية إلى النتائج الإيجابية أو السلبية الكبيرة على صعيد المصير في الدنيا والآخرة .
لا أساس للشرك بالله تعالى
{إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} ،لأنهم لا يملكون أساساً لاعتبار هذا القول صورةً عن الحقيقة ،ولكننا نملك الدليل على أنه يجانبها ويبتعد عنها ،ما يجعله في موقع الكذب ،لا في موقع الصدق ،من خلال المعرفة بالله في استغنائه عن الولد ،الأمر الذي يرمي هذه الكلمة في دائرة العبث واللاّمعنى أو يطابقها بالشيء الذي ليس له موضوعٌ أو أساسٌ .