ترك المفسدين إلى يوم الحشر
انتهت الآيات السابقة ببناء إسكندر ذي القرنين للسد ، وكان ذو القرنين صورة للحاكم المجاهد الذي يعمل لمصلحة من يحكمهم يجلب الخير لهم ، ويعمل ما يصلحهم ، ويدفع الفساد والمفسدين ، وقد دفعه وترك يأجوج ومأجوج يفسدون فيما بينهم .
ولقد قال تعالى بعد أن ذكر بناء الحاكم الصالح للسد ، وإحكام بنيانه:
{ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا 99} .
الضمير في{ بعضهم} يعود إلى يأجوج ومأجوج ، فانحصر شرهم ، ولم يتعد فسادهم إلى غيرهم ، فالجماعة الشريرة إذا لم يمكن إصلاحها يكون علاج الناس بالوقاية منها وإبعادهم عنها .
ويصح أن يكون الضمير في بعضهم يعود إلى الخلق على أساس أنه حاضر في العقل معنى المخلوقات ، وقد ساق ذلك الرأي الزمخشري على أنه هو الظاهر المتبادر ، وغيره هو غير الظاهر وغير المتبادر .
ويكون المعنى على أن الضمير يعود إلى الخلق أن الله تعالى خلق الناس بغرائز قد تتعارض رغباتها ، فيكون منهم المسيء ويكون المحسن ويتنازعون أو يتخالفون ، أو يعتدي بعضهم على بعض حتى يكون يوم الفصل ، ودعوة الجميع إلى الحشر .
وقوله تعالى:{ يومئذ} أي في الدنيا ، حيث الاختبار ، والتدافع بين الحق والباطل والخير والشر ، والصلاح والفساد ، وقوله:{ يموج في بعض} ، أي أن بعضهم يتدافع مع البعض تدافع الأمواج وهي مصطحبة فيتدافع الأخيار مع الأشرار تدافع الأمواج يدفع بعضها بعضا ، وهي تعلو وتنخفض .
حتى يدعوا جميعا إلى الله تعالى ، وعبر عن ذلك بقوله:{ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا} ، أي ناديناهم كما ينادى القائد الجند فينفخ في الصور فيجمعهم جمعا ، لا يتخلف منهم أحدا ، وقد شبه في هذا إعادة الناس والبعث والنشور وخروجهم من فورهم من كل حدب ينسلون بالقائد ، عندما ينفخ في البوق للجند ، وفي هذا إشعار بأن البعث لا يكون بأكثر من قول الله تعالى:{. . .كن فيكون 68} ( غافر ) وقوله تعالى:{ فجمعناهم جمعا} فيه أمران بيانيان:
الأمر الأول:أنه عبر بالماضي وهو المستقبل ، لتأكيد الوقوع .
الأمر الثاني:أنه ذكر المصدر لتأكيد أن البعث يعم الجميع ، ولا يتخلف عنه أحد .