وبعد أن بين الله تعالى حال الكافرين من عبدة الأوثان ، ومن كذبوا على الله وقالوا اتخذ الله ولدا ، بين الله سبحانه وتعالى حال المؤمنين في الدنيا فقال:
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا 96} .
{ إن الذين آمنوا} ، فسبقوا إلى الإيمان مذعنين لله ، وقووا إيمانهم بالعمل الصالح ، فالإيمان من غير صالح يزكيه وينميه مآله أن يكون خاويا فارغا ، وقال الله تعالى في ثمرته الاجتماعية بالنسبة لعلاقتهم الإنسانية:{ سيجعل لهم الرحمن ودا} ، بضم الواو وبكسرها ، وبهما كانت القراءة ، فقرئ بالضم . وقُرئ بالكسر ، والود المحبة من غير حمل عليها ، بل بانجذاب القلوب المؤمنة ، فإن الإيمان يصفى قلوبهم ، وينير بصائرهم ، فينجذب بعضهم لبعض من غير تحبيب ، بل بمقتضى الطهر الجامع . والإخلاص الذي يؤلف القلوب ، ويؤاخى بين الناس ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن لله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانهم من الله يوم القيامة"قالوا:ومن هم يا رسول الله ، قال:"قوم تحابوا بروح من الله على غير أرحام تربطهم ولا أموال يتعاطون ، والله إنهم لنور ، وإنهم لعلى نور"، ثم تلا قوله تعالى:{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون 62} ( يونس ) .
وكذلك كان المؤمنون الأولون ، حتى إن الرجل من الأنصار بعد المؤاخاة كان يشاطر أخاه في ماله غير ضنين ، بل إن بعضهم كان ذا زوجتين فهمّ بأن يطلق إحداهما ليتزوجها أخوه ، ولذا وصف الله الأنصاري بقوله تعالى:{. . . .ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . . .9} ( الحشر ) .
ولقد كانت المحبة الصادقة والمودة الرابطة قوة المسلمين في مكة ، حيث لا قوة لهم من مال أو جاه أو سلطان ، فقد كانت هذه المودة دافعة أبا بكر لأن يشترى الأرقاء من المؤمنين ، ويعتقهم ، وقد صاروا فيما بعد قوة المسلمين في الجهاد وذوي شأن بين أهل الإيمان .
وإنه من وقت زال الود الجامع للمؤمنين زالت وحدتهم ، وذهبت قوتهم ، ولا أستطيع أن أقول:إنهم خرجوا عن الإيمان ، ولكن المؤكد أنهم لم يعملوا عملا صالحا ، بل تنابذوا وذهبت ريحهم .