يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله - عز وجل - لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه . وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه .
قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال:يا جبريل ، إني أحب فلانا فأحبه . قال:فيحبه جبريل ". قال:"ثم ينادي في أهل السماء:إن الله يحب فلانا ". قال:"فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال:يا جبريل ، إني أبغض فلانا فأبغضه ". قال:"فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء:إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ". قال:"فيبغضه أهل السماء ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض ".
ورواه مسلم من حديث سهيل . ورواه أحمد والبخاري ، من حديث ابن جريج ، عن موسى بن عتبة عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إن العبد ليلتمس مرضات الله ، فلا يزال كذلك فيقول الله - عز وجل - لجبريل:إن فلانا عبدي يلتمس أن يرضيني; ألا وإن رحمتي عليه ، فيقول جبريل:"رحمة الله على فلان "، ويقولها حملة العرش ، ويقولها من حولهم ، حتى يقولها أهل السماوات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض "
غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك ، عن محمد بن سعد الواسطي ، عن أبي ظبية ، عن أبي أمامة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن المقة من الله - قال شريك:هي المحبة - والصيت من السماء ، فإذا أحب الله عبدا قال لجبريل ، عليه السلام:إني أحب فلانا ، فينادي جبريل:إن ربكم يمق - يعني:يحب - فلانا ، فأحبوه - وأرى شريكا قد قال:فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبدا قال لجبريل:إني أبغض فلانا فأبغضه "، قال:"فينادي جبريل:إن ربكم يبغض فلانا فأبغضوه ". قال:أرى شريكا قد قال:فيجري له البغض في الأرض ". غريب ولم يخرجوه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو داود الحفري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد ، وهو الدراوردي - عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أحب الله عبدا نادى جبريل:إني قد أحببت فلانا ، فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله ، عز وجل:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
رواه مسلم والترمذي كلاهما عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال:حبا .
وقال مجاهد ، عنه:( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال:محبة في الناس في الدنيا .
وقال سعيد بن جبير ، عنه:يحبهم ويحببهم ، يعني:إلى خلقه المؤمنين . كما قال مجاهد أيضا ، والضحاك وغيرهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس أيضا:الود من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن ، واللسان الصادق .
وقال قتادة:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) إي والله ، في قلوب أهل الإيمان ، ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول:ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .
وقال قتادة:وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول:ما من عبد يعمل خيرا ، أو شرا ، إلا كساه الله - عز وجل - رداء عمله .
وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله:حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن البصري ، رحمه الله قال:قال رجل:والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها ، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي ، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج ، فكان لا يعظم ، فمكث بذلك سبعة أشهر ، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا:"انظروا إلى هذا المرائي "فأقبل على نفسه فقال:لا أراني أذكر إلا بشر ، لأجعلن عملي كله لله - عز وجل - فلم يزد على أن قلب نيته ، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله ، فكان يمر بعد بالقوم ، فيقولون:رحم الله فلانا الآن ، وتلا الحسن:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
وقد روى ابن جرير أثرا أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف . وهو خطأ ، فإن هذه السورة بتمامها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة ، ولم يصح سند ذلك ، والله أعلم .