ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى ما يجمع شملهم ويوحد أمرهم ، ويذهب شتاتهم وهو القرآن الكريم . فقال تعالى:
{ فإنما يسّرناه بلسانك لتبشّر به المتقين وتنذر به قوما لدا 97} .
الضمير في{ يسّرناه} يعود إلى القرآن ، لأنه حاضر في قلوب المؤمنين يملأ أجواءهم بعطره ونوره فلا يحتاج إلى ذكر معين سابقا ، لأنه مذكور دائما حاضر في القلوب لا يغيب عنها ، و"الفاء"للإفصاح ، لأنها تفصح عن شرط مقدر تقديره:إذا كانت حجتك الكبرى هذا القرآن العظيم ، فإنما يسرناه بلسانك العربي ، وسهلناه على كل عربي يقرؤه من غير عوج ولا عُجمة فيه ولا إبهام ، لتبشر به المؤمنين الذين يدخل الإيمان قلوبهم ، لأنهم يذعنون للحق إذا جاءهم ، والناس أقسام ثلاثة:
القسم الأول:قسم آمن بالحق إذ جاءهم كأولئك الذين كانوا خلية الإيمان الأولى من أمثال أبي بكر وبلال وصهيب وزيد بن حارثة .
والقسم الثاني:قسم قلبُه منفتح للحق يجيب داعيه ، ويحضر ناديه ، وهؤلاء ومن سبقهم هم الذين يبشرهم القرآن بالجزاء الأوفى .
والقسم الثالث:اللّدّ وهم الذين يجادلون بغير الحق ، وهؤلاء ينذرهم القرآن الإنذار الشديد لكيلا يكون لهم عذر في كفرهم ، ولتقوم الحجة عليهم ، كما قال تعالى:{. . .وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24}( فاطر ) ، وقال تعالى:{. . .وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15} ( الإسراء ) ، واللسان هو اللغة وهي هنا العربية .
واللد جمع ألد وهو الشديد الخصومة ، ومنه قوله تعالى:{. . .وهو ألد الخصام 204} ( البقرة ) .
وقال الشاعر العربي:
أبيت نجيا للهموم كأنني أخاصم أقواما ذوي جدل لدّا
ومن شأن أهل الجدل والخصومة أن يكون عقلهم في انحياز جانبي إلى تفكير ، لا يفتحون عقولهم لما يلقى عليهم فلا يستمعون إلى الحق إذا دعوا ، ويسيرون طريقهم غير مدركين حقا ، والإنذار يزعج حسهم ، وربما يهتدون ، وإلا فهم في طريق الغواية سائرون .
وإن هؤلاء ربما يمهلهم الله إلى يوم القيامة ، حيث الحساب ثم العقاب على ما اقترفوا