وقد أنذر المشركين بما عصى الذين من قبلهم فأهلكهم الله تعالى ، ولقد قال تعالى:
{ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا 98} .
القرن:الجماعة من الناس التي تعيش في عصر واحد ، فالقرن الجماعة ، وليس الزمن ، والرّكز هو الصوت الخفي ، ومعنى ذلك أنهم أبيدوا ، وصارت آثارهم تنبئ عنهم ليكونوا عبرة المعتبرين ، وليكونوا المَثُلات لمن يرتكبون مثل ما فعلوا ، والركز يقال لكل شئ مختف ، فيقال ركز الرمح ، أي اختفى في الأرض والرّكاز المال المختفي . كذلك قال المزخشري في الكشاف .
وإن هذا بلا ريب إنذار للمشركين في الدنيا بالهلاك والدمار ، كما كان لقوم نوح إذ أغرقهم ، ولقوم هود وصالح إذ جاءتهم ريح صرصر عاتية ، ولقوم لوط إذ جعل سبحانه وتعالى أرضهم عاليها سافلها .
وهكذا ، ولكن المشركين لم ينزل سبحانه ذلك بهم ، ولكنه ذكره لبيان عاقبة الكفر أولا ، وعظيم قدرته ثانيا ، وما يتعرضون له ثالثا ، أما مشركو مكة فلم ينزل بهم ذلك العذاب المستأصل ، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا بد أن تبقى طائفة من أمته ظاهرة على الحق داعية إليه سبحانه ، وقد كان من أولئك المشركين من هداه الله وكان قوة للمؤمنين وعزا للإسلام ، وكان من ذرية العاتين من صار من نصراء المؤمنين كعكرمة بن أبي جهل ، والله بكل شيء عليم .