{لُّدّاً}: جمع ألد ،وهو الشديد الخصومة .
ويبقى للقرآن دوره الخالد في حركة الدعوة إلى الله ،في ما يتحدث به الرسل ،وفي ما يثيره الدعاة في بلاغهم وفي حديثهم للناس ..
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ} وسهلنا لك السبيل إلى فهمه ووعيه وتلاوته ،تماماً كما لو كان حديثاً تهمس به في ذاتك أو يتحرك في وجدانك ،لتستوعب معانيه في خط التبشير والإنذار ،{لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} في ما ينتظرهم من الجنة ومن رضوان الله ،جزاءً لطاعتهم وتقواهم وعبادتهم ،{وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} والمراد باللدّ ،جمع لدد ،وهو الخصومة ،أي لتحذر الذين يحترفون الجدل والنزاع والخصومة كأسلوب عملي في حياتهم ،ولذلك فإنهم لا يفتحون قلوبهم لوحي الله ،بعفوية الحقيقة وبساطتها ،بل يتعقدون منه ،ويعملون على إثارة الضوضاء من حوله في عملية هروب وإضلال ...،ولذلك فإن مهمة الرسول ومن بعده من الدعاة ،هو إحداث الصدمة القوية التي تهز القلب والرُّوح والوجدان ،لتثير فيها الخوف والقلق في مستوى قضية المصير .
وهذا ما ينبغي أن يعيشه الحاملون للقرآن ،الحافظون له ،الذين يتحملون مسؤولية إبلاغه للناس ،وذلك بأن يتحركوا به في المجتمع مبشرين ومنذرين ،لا أن ينعزلوا به في دائرة ذواتهم وأشخاصهم بما لا يتعدى محيطهم ،لأنهم لا يريدون أن يتحملوا مشاكل الدعوة ،ونتائج المواجهة والمجابهة ؛إذ لو وقف الناس جميعاً هذا الموقف ،ينتظرون بعضهم من يتسلم زمام المبادرة في ذلك ،لمات القرآن في عقول الناس ،ولانكمش في دائرة ضيقة من دوائر الواقع في الحياة العامة .
إن الإنذار لأمثال الناس المعقّدين المجادلين قد يفتح لهم أكثر من بابٍ للتفكير والتأمل والسؤال والانقياد في نهاية المطاف ،ليدرسوا التاريخ وليتعرفوا حركة المستقبل الذي يتصل بحياتهم ،في ما يأتي ،ليعرفوا كيف يمكن لهم أن يضبطوا خطواتهم على الصراط المستقيم .