وقد حكم الله تعالى عليهم ذلك الحكم القاطع مؤكدا له أفضل توكيد بقوله تعالى:{ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} فالله تعالى يحكم عليهم بأن الفساد يستغرقهم وأنهم مقصورون عليه ، وقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك الحكم بعدة مؤكدات:
أولها:التعبير ب"ألا"لأن لا نافية دخلت عليها همزة الاستفهام الدالة على التنبيه والنفي ، فهي نفي مؤكد لصلاحهم ، وتأكيد لفسادهم .
وثانيها:التأكيد ب"إن"المؤكدة لفسادهم .
الثالثة:ضمير الفصل ، وهو "هم".
الرابعة:تعريف الطرفين{[54]} وهو دال على القصر ، أي أنهم مقصورون على الفساد ، لا يتجاوزونه ، وهو محيط بهم إحاطة الدائرة بقطرها ، فهم يسارعون فيه ، ولا يخرجون عنه .
ومع هذه الحال ، وهذا الحكم المؤكد{ لا يشعرون} ، والشعور هو الإحساس الجسدي والنفسي والعقلي بخطأ ما يفعلون ، فالشر قد استغرقهم ، حتى أصبحوا لا يدركون بعقلهم الذي غمره الفساد ولا بنفوسهم الأمارة بالسوء ، ولا بإحساسهم الذي آفته آفة الشر .
وإذا كان فسادهم قد ذاع وشاع فسببه أنهم جعلوا أنفسهم في حيز فكري ونفسي وأهل الإيمان في حيز غيره ، وشأن المنافق دائما أنه يعتقد أنه في مكانة من الفكر والتدبر ، وغيره ممن يدركون الحق في سفه وحمق ، فهم يريدون أن يصرفوهم عن الإيمان ليضلوهم ، ويفتنوهم لولا أن يتداركهم الله برحمته ، فيستنقذهم منهم .
كانوا صنفا قائما بين الناس لا هم كفار أعلنوا كفرهم ، ولا هم مؤمنون قد رضوا بالإسلام دينا ، وانحازوا بحالهم التي هي أشد كفرا ومقتا عند الله وعند الناس ، فكان من سنة الناس أن يسألوهم لماذا لم يؤمنوا بقلوبهم ، ولماذا يقفون ذلك الموقف الحائر المحير . لا بد أن يكونوا كفارا معلنين كفرهم ، وإلا اختاروا الإيمان .