{ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} بني الفعل{ قيل} للمجهول للإشارة إلى عموم القائلين لأن موقفهم المتردد المتذبذب بين حق خالص لا ريب فيه ، وباطل لا ريب في بطلانه ، فهم يعلنون الإيمان ، ولم يعلنوا الكفر ، وإن كانت حالهم أشد الكفر وأمقته ، كان هذا السؤال يتردد في كل القلوب ، ويتساءل عنه كل أهل العقل والمنطق ؛ ولذلك كان التعميم في{ وإذا قيل لهم} قال المخلصون:آمنوا أي صدقوا واعتقدوا الوحدانية ، وأن تؤمنوا بالله ورسوله والملائكة والرسل جميعا ،{ كما آمن الناس} ، و"ال"في الناس للعهد أي الناس المعهودين المعروفين ، وهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه المجاهدون الذين أخلصوا دينهم لله .
وعبر عنهم بالناس إشارة إلى أنهم الناس حقا وصدقا الذين بلغوا أعلى درجات الإنسانية بإيمانهم وطهارة نفوسهم ، وعظم مداركهم ، وإذعانهم للحق إذ دعوا إليه .
ولكن مع جلال ما آمنوا به ، وصدقه ، استعلى المنافقون بالباطل ، وكذلك شأن المنافق يظن أن ما هو عليه من نفاق ومراء هو عين العقل ، وما عليه غيره هو عين السفه .
قالوا مستنكرين ما قيل ويقال لهم:{ أنؤمن كما آمن السفهاء} والسفهاء جمع "سفيه"، وهو الأحمق الذي لا يتخير الأمور ، ولا يتعرف أحسنها فيتبعه ، وقد ظن المنافقون أنهم أهل الحكمة ، فقالوا:{ أنؤمن كما آمن السفهاء} وهم في زعمهم محمد وأصحابه ، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي:لا نؤمن ، ولا نصدق برسالة محمد إلى الخلق ، كما صدق محمد وأتباعه ، ومن ساروا على منهاجه ، وكذلك زين لهم تفكيرهم الفاسد ، وغرهم ما كانوا يفترون ، ويكذبون به ، وتكرر كذبهم ، حتى ظنوها الأعلى ، وهو الدرك الأسفل ، ولقد حكم الله تعالى ، وهو الحكم العدل ، وهو خير الفاصلين ، فقال تعالت كلماته:{ ألا إنهم هم السفهاء} يقرر الله تعالى الحكم عليهم بالسفه ، وجعلهم مقصورين عليه يدورون في إطاره ويسارعون فيه ، فهم يخرجون من سفه إلى سفه ، ويسارعون في السفاهة ، ويسيرون فيها حتى يصلوا إلى الدرك الأسفل منها .
وقد أكدت السفاهة بقوله:{ ألا} التي هي استفهام داخل على النفي ، فكان تأكيدا للنفي مع التنبيه ، وقد أكد أيضا ب"إن"، وهي تجيء بعد قوله تعالى:{ ألا} كما يجيء القسم بعدها .
وأكد بضمير الفصل ، في قوله تعالى:{ هم السفهاء} .
وأكد القول بتعريف الطرفين الذي يفيد قصرهم على السفه ، بحيث لا يكون منهم إلا ما هو سفه ، ولا تجيء منهم حكمة قط ؛ لأن الحكمة لا تكون إلا من قلب سليم .
{ ولكن لا يعلمون} مقدار ما أوتوا من سفه الرأي ، وما أوتي غيرهم من حكمة الإيمان ، وهنا نجد أنهم عند قصرهم في النص القرآني على الفساد ، قال:{ ولكن لا يشعرون} ؛ لأن الفساد والصلاح حسيان ، فناسبهما أن يكون عنهم شعور حسي ، أما حكم السفه فأمر فكري فناسبه نفي العلم لا نفي الحس .
فذكر القرآن الكريم قياس بعض أحوال المنافقين في أنهم يدعون الإيمان ويبطنون الكفر ، وأن النفاق والإيمان نقيضان لا يجتمعان ، والمنافق ليس من شأنه أن يؤمن بشيء ، وأنهم يزعمون أنهم هم الصالحون – وهم المفسدون الفاسدون – وأنهم يحسبون أنهم بشكهم ونفاقهم في مرتبة عالية ، وأن المؤمنين بالنسبة لهم ضعاف الأحلام سفهاء .