وإن الله سبحانه وتعالى بعد أن بين عداوتهم لجبريل ؛ لأنه الروح الأمين الذي نزل بالقرآن ، بين سبحانه أنه من كان عدوا لله تعالى وملائكته ، وكتبه ورسله ، فإن الله عدو للكافرين .
في هذا النص الكريم إثبات أن من كان عدوا للملائكة أو لواحد منهم ، ومن كان عدوا للكتب التي أنزلها التي لم تحرف والرسل الذين أرسلهم رحمة للعباد ، وهداية لهم فهو عدو لله تعالى ، وهو كافر ، والله تعالى عدو للكافرين ، ابتدأ الله تعالى بذكر عداوة الله تعالى فقال:{ قل} يا محمد أيها البشير النذير{ من كان عدوا لله} فابتدأ سبحانه بلفظ الجلالة الكبير في ذاته خالق الوجود ، وخالق الملائكة والجن والإنس ، والشمس والقمر والسموات والأرض ابتدأ بذكره جل جلاله لبيان أن من عاداه ، فقد تعرض لأعظم نقمة وأشد ضلال وخروج عن الحق ، فالابتداء به سبحانه وتعالى لبيان أعظم خطورة يتعرضون لها بجهلهم وفساد نفوسهم وضلال فكرهم .
وثنى سبحانه بالملائكة ، وأضافهم سبحانه وتعالى إليه للإشارة إلى أن عداوتهم هي عداوة له فهم يعادونه ابتداء بمعاداة ذاته العلية ، ثم يعادونه ثانيا بمعاداة ملائكته الذين خلقهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم في الملكوت . . ثم ثلث بكتبه التي أنزلها هداية للناس ورحمة ، وشفاء لأدواء الجماعات ، ونسبها سبحانه وتعالى إليه إشعارا لهم بأن عداوة هذه الكتب عداوة لله تعالى لأنها هجر لكلامه ، ورد لرسالته ، وأي ذنب أقبح من عداوة رسالات الله تعالى التي شرفت بإرساله واحتوت على البينات والحكم الباهرة ، ثم بين بعد ذلك عداوتهم لرسله الأكرمين ، وأنها عداوة لمن أرسلهم ، فمن عادى الرسول فقد عادى من أرسله مبشرا ونذيرا ، وداعيا إليه وسراجا منيرا .
وذكر سبحانه وتعالى عداوة جبريل وميكائيل وخصهما بالذكر مع أنهما دخلا في عموم الملائكة ؛ لأن الله تعالى خصهما بالشرف والتفضيل على غيرهما من الملائكة وهو يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم ، ولأن جبريل كان روح القدس الأمين الذي نزلت عن طريقه الرسالات الإلهية على من أرسلهم مبشرين منذرين ، وأن اليهود حكى عنهم أنهم كانوا يفاضلون بين هذين الملكين الكبيرين ، فيعادون جبريل ، لأنه ينزل القرآن ويوالون ميكائيل ؛ لأنه يأتي بالرحمة والغيث ، فأشار سبحانه إلى أن عداوة أحدهما عداوة له ، ومن عادى جبريل لأنه مكلف بالقيام بأمر من الله تعالى فقد عادى الآخر ؛ لأنه قائم بمثل ما قام به .
هذا هو فعل الشرط الذي يتضمن عداوة الله وملائكته وكتبه ورسله ، وجبريل وميكائيل ، وجواب الشرط هو قوله تعالى:{ فإن الله عدو للكافرين} فجزاء هذه العداوة الظالمة ، كراهية عادلة ، ويتبعها العقاب الشديد ، وهنا إشارتان بيانيتان:
إحداهما – في تقديم الكتب على الرسل ، والسياق يسوغ تقديم الرسل على الكتب ؛ لأنهم الذين جاءوا بها ، ونزلت عليهم ، فلم قدمت الكتب ؟ والجواب عن ذلك أنها موضوع الرسالة ولبها ، وهي المشتملة على أمر الله تعالى ونهيه وهي خطاب الله تعالى إلى عباده ، فقدمت كما يقدم الكتاب الذي تكتبه على الرسول الذي تحمله الكتاب .
الثانية – أن الله تعالى أظهر في موضع الإضمار فقال:فإن الله عدو للكافرين ، ولم يقل لهم ، وذلك لبيان أنهم بهذه العداوة قد كفروا وجزاء الكفر العذاب الأليم فالإضمار كان فيه وصف هو سبب العقاب ، ولقد جاء في البخاري في حديث قدسي عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال:من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه".