ثم بين في آية أخرى حقيقة حالهم في هذه العداوة فقال{ من كان عدوا لله} بكفره بما ينزله من الهداية{ وملائكته} برفض الحق والخير الذي فطروا عليه وكراهة القيام بما يعهد به إليهم ربهم عز وجل ، لأنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ،{ ورسله} بتكذيب بعض وقتل بعض ،{ وجبريل وميكال} بأن الأول ينزل بالآيات والنذر ، ومن كان عدوا لجبريل فهو عدو لميكال لأن فطرتهما واحدة وحقيقتهما واحدة ، مَن مَقَتَها وعاداها في أحدهما فقد عاداها في الآخر .{ فإن الله عدو للكافرين} أي من عادى الله وعادى هؤلاء المقربين من الله الذين جعلهم رحمة لخلقه فإن الله عدو له ، لأنه كافر بالله ومعاد له ، والله عدو للكافرين أي يعاملهم معاملة الأعداء للأعداء ، وهم الظالمون لأنفسهم إذ دعاهم فلم يقبلوا أن يكونوا مع الأولياء .
( ميكال ) بوزن ميعاد قراءة أبي عمرو ويعقوب وعاصم برواية حفص ، وقرأ نافع ميكائل وحمزة والكسائي وابن عامر ميكائيل .وفي الشواذ ميكئل وميكئيل وميكاييل .
( قال الأستاذ الإمام ) هذا وعيد لهم بعد بيان فساد العلة التي جاءوا بها وهم لم يدعوا عداوة هؤلاء كلهم ولكنهم كذلك في نفس الأمر ، فأراد أن يبين حقيقة حالهم في الواقع .وهي أنهم أعداء الحق وأعداء كل من يمثله وينقله ويدعو إليه ، فالتصريح بعداوة جبريل كالتصريح بعداوة ميكال الذي يزعمون أنهم يحبونه وأنهم كانوا يؤمنون بالنبي لو كان هو الذي ينزل بالوحي عليه .ومعاداة القرآن كمعاداة سائر الكتب الإلهية ، لأن الغرض من الجميع واحد .ومعاداة محمد صلى الله عليه وسلم كمعاداة كل من ذكر .وهذا من ضروب إيجاز القرآن التي انفرد بها .
وفي قوله تعالى ( للكافرين ) وضع للمظهر في موضع المضمر لبيان أن سبب عداوته تعالى لهم هو الكفر ، فإن الله لا يعادي قوما لذواتهم ولا لأنسابهم ، وإنما يكره لهم الكفر ويعاقبهم عليه معاقبة العدو للعدو .
( أقول ) وقد تقدم غير مرة أن عذاب الله وانتقامه من الكفرة الفجرة لا يشبه انتقام ملوك الدنيا وزعمائها ، وإنما قضت سنته تعالى بأن يكون لكل عمل يعمله الإنسان في ظاهره أو في نفسه وضميره أثرا في نفس العامل يزكيها ويدسيها وسعادة الإنسان في الآخرة أو شقاؤه تابع لآثار اعتقاداته وأعماله في نفسه .ولذلك قال تعالى{ وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} .