قال تعالى:{ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا 108} ، أي يومئذ وقت نسف الجبال وأن تكون الأرض قد استوت ، ليس بها بناء ، ولا ديار ولا حجر ولا مدر ، ولا قيعان ملساء ، ولا نبات ولا شجر ولا عوج ولا أمت ، في هذا اليوم وفي ذلك الوقت يدعو الداعي فتكون الإجابة من غير اعوجاج كما أن الدعوة لا اعوجاج فيها ، فالضمير في{ له} يعود إلى الداعي ، والداعي هو مَلَك وُكِّلَ إليه أمر دعوة الخلق التي يكون بها البعث ويستجيب لها الجميع من غير تلكؤ مسارعين مستجيبين ، ونفى العوج عن الداعي باعتبار أن دعوته مستقيمة لا استثناء فيه ، وعن المدعوين أيضا باعتبار أن استجابتهم مستقيمة ، لا عوج فيها ويستجيبون سائرين في خط مستقيم لا التواء فيه ، فالدعوة حاسمة الاستجابة لا عصيان فيها ،{ وخشعت الأصوات} أي خضعت وبدت فيها الاستكانة والخضوع لله تعالى فكل صوت انخفض ، وكل جهارة في القول ، والخضوع{ للرحمن} ، وهو القهار في ذلك اليوم ، ووصف بالرحمة لأنه يوم العدل ، والعدل هو الرحمة ، فكل يأخذ حقه ، ويؤدي ما عليه ، ويحاسب على ما قدمت يداه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، إذا كان ذلك الخشوع خشية من الرحمن العادل{ فلا تسمع إلا همسا} ، إلا صوتا خفيّا ، وقالوا:إنه صوت وقع الأقدام فلا حديث ولا كلام هلعا وفزعا .
وكل إنسان مقدم على أمر أحس بخطورته ، وقد اعترته هيبة اللقاء ، وأحس بالحساب ولا يدري ما الله فاعل به ، فالأبرار يستقلون حسناتهم ، ويَعُدون أخطاءهم كبائر ، والأشرار يعروهم الإحساس بآثامهم وعظم ما ارتكبوا ، ويجدون عملهم محضرا ، ويعانون من أنكروه من قبل ، وهو البعث والحساب .