{ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا 109} .
"إذ"في{ يومئذ} تشير إلى يوم ينفخ في الصور ، ويكون البعث المراد يوم الحساب ، يجئ كل إنسان ومعه أعماله مسجلة عليه في كتابه قد سجلت حسناته ، وسجلت سيئاته ، وجوارحه تنطق بما اكتسبت من آثام وتحوطه السيئات ويحاسب على ما عمل ، ولا شفيع يشفع ولا فدية تدفع{ إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا} ، وهذه الشفاعة تكريما للشافع وليست استنزالا لعقاب ، أو زيادة في ثواب ، فالله سبحانه يعلم الجزاء حق العلم وإنما هي إظهار لكرامة الكرماء عند الله العزيز الحكيم ، الذي علم كل شيء فقدره تقديرا وما قدره في علمه واقع لا محالة ، فإن كان بشفاعة شفيع وقع ما كتب على أنه استجابة لشفاعة اختص بها كريما مكرما .
فالشفاعة بالإذن ، ويقال للشفيع اشفع تشفع ، فيه لا تكون إلا بإذن من الله ولا تكون إلا لمن{ ورضي له قولا} ، كما قال في آية أخرى ،{. . .إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى 26} ( النجم ) .
وقوله تعالى:{ إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا} كأنه لا بد من شرطين لقبول الشفاعة وهو إذن الله تعالى ، ولا يكون الإذن إلا من مرضى القول مقبول ، لأنه تكريم من الله عز وجل لأجل الاستقامة ، والعدالة في القول ، فلا يشفع لأثيم ، وقلنا:إن هذا يكون تكريما للشفيع ولرحمة العباد ، وهو مقدر في علمه المكنون ، فالشفاعة لا تغير مقدورا ، ولكن تنفذ المقدور ، وقوله تعالى:{ ورضي له قولا} التنكير هنا لتعميم القول لا لتخصيصه ، أي رضي الله سبحانه وتعالى له قولا أيَّ قول ، أي كان الصادق الأمين عند الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلا لرسول من المقربين المصطفين الأخبار .