وبما أنّ بعض الغارقين في الذنوب والمعاصي قد يحتمل أن تنالهم شفاعة الشافعين وتنجيهم ،فإنّه يضيف مباشرةً: ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) وهذا إشارة إلى أنّ الشفاعة هناك ليست اعتباطية وعشوائية ،بل إنّ هناك تخطيطاً دقيقاً لها ،سواء ما يتعلّق بالشافعين أو المشفوع لهم ،وما دام الأفراد لا يملكون الأهلية والاستحقاق للشفاعة ،فلا معنى حينئذ لها .
والحقيقة هي أنّ جماعة ينظرون إلى الشفاعة بمنظار خاطىء ،فهم يتصورون أنّها لا تختلف عن أساليب الدنيا ومراوغاتها ،في حين أنّ الشفاعة في منطق الإسلام مرحلة تربوية متقدّمة ،وعامل مساعد لهؤلاء الذين يطوون طريق الحقّ بجدّ وسعي إلاّ أنّهم يبتلون أحياناً بالنقائص والزلاّت ،ولعلّ من الممكن أن يعلو غبار اليأس والقنوط قلوبهم نتيجة هذه الزلاّت والهفوات ،هنا تأتي إليهم الشفاعة كقوّة محرّكة وتقول: لا تيأسوا ،واستمروا في طريقكم ،ولا تكفوا أيديكم عن السعي والاجتهاد في هذا المسير ،وإذا ما بدر منكم زلل وهفوات فإنّ هناك شفعاء سيشفعون لكم عند الله الرحمن الذي وسعت رحمته كلّ شيء فيأذن لهم بالشفاعة .
إنّ الشفاعة ليست دعوة للتقاعس ،أو الفرار من تحمّل المسؤولية ،أو أنّها ضوء أخضر لارتكاب المعاصي ،بل هي دعوة إلى الاستقامة في طريق الحقّ ،واجتناب الذنوب قدر الإمكان .
ومع أنّنا قد أوردنا بحث الشفاعة بصورة مفصّلة في ذيل الآية ( 4748 ) من سورة البقرة ،وفي ذيل الآية ( 255 ) من سورة البقرة ،لكن لا بأس من أن نضيف هنا قصّة جميلة:
فقد روى العالم الربّاني المرحوم «ياسري »أحد علماء طهران المحترمينأنّ شاعراً يسمّى «حاجباً » كان قد اُبتلي بأفكار العوام في مسألة الشفاعة ،فنظّم شعراً قال فيه:
يا حاجب إن كانت معاملتك مع علي في المحشر ،فأنا ضامن لك النجاة واعمل ما شئت من الذنوب .
فرأى أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) في المنام ،وكان مغضباً ،وقال له: لم تحسن قول الشعر ،فقال: فماذا أقول ؟فقال: أصلح شعرك وقل: يا حاجب: إن كانت معاملتك مع علي في المحشر فاستح منه وقلّل من ذنوبك ومعاصيك .
/خ112