{يَوْمَئذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً} لأنه المهيمن على الجميع ،فلا يملك أحد منه شيئاً ،فله الحكم الفصل والقضاء العدل الذي يحاصر الجميع في دائرة مسؤولياتهم ،فيحيط بكل ما فعلوه ،ويجازي كل واحد منهم بعمله ،ولا يقبل من أحد رجاءً ولا شفاعةً في حق نفسه أو في حق غيره ،لأن أيّ واحد منهم لا يملك حقاً ذاتياً في ذلك كله{إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} في الشفاعة فأراد الله أن يكرمه بها ليجعل له الكرامة باستنقاذ من يريد الله أن ينقذه من النار ،ويرحمه برحمته ،وذلك هو الذي رضي الله قوله في ما يعبر عنه القول من العقيدة الصافية الحقة ،والروح الراضية المرضية ،والعمل الخالص الذي يتحرك في رضا الله من خلال وعي الإيمان ،وطهر الإخلاص .
تقرير مبدأ الشفاعة
وفي ضوء هذه الآية ،نستفيد تقرير مبدأ الشفاعة التي تأكَّد وجودها لدى بعض الأشخاص المقربين إلى الله ،ولكن من خلال إعطاء الله له ذلك ،فيكون القصد والتوجه لله في المسألة لا للشخص ،لأنه لا يملك من أمر الشفاعة شيئاً في نفسه .وذلك هو الحد الفاصل بين الاستغراق في الشخص من خلال الاستغراق في ذاته ،وبين الاستغراق في الله على أساس الكرامة التي يمنحها لبعض عباده في شفاعتهم للآخرين استجابة لإرادة الله له في ذلك ؛وهذا ما يعطي للعقيدة صفاءها فلا يطلب أحد من مخلوق شيئاً ،بل يكون الطلب كله لله ،والقصد إليه في كل شيء حتى في الشفاعة التي لا يملكها أحد إلاّ بإذنه ..