قال تعالى:{ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكر 113} قوله تعالى:{ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا} ، أي كهذا الإنزال الذي عاينته ونزل على قبلك قرآنا عربيا ، والإشارة لبيان شأنه ، والمشبه هو ما قدره الله لك معجزة ، والمشبه به هو هذا الذي تذكر به ، وهنا نلاحظ ملاحظتين:
أولاهما – أنه هنا عبر ب{ أنزلناه} ، وفي أكثر الآيات كان التعبير بنزلنا ، وينزل ، فما الفرق ولم كان الاختيار بأنزلناه ؟ ونتلمس الحكمة فنقول:إن المراد به القرآن كمعجزة في ذاته سواء أنزل دفعة واحدة أم منجما ، فكان التعبير بأنزلنا ، وعندما كان ينزل لبيان الشرع ولحفظ آية آية كان التعبير بنزّلنا ، وهنا بيان أنه معجزة وأنه جاء مبشرا ومنذرا ينتفع به المتقون ويذكر به غيرهم ليكون لهم نذيرا .
الثانية:أنه قال{ قرآنا عربيا} وهذه حال من{ أنزلناه} وفيه وصفان أحدهما أنه قرآن والثاني أنه عربي ، ووصف قرآن يفيد أنه مقروء متلو يتعبد بتلاوته ، وأن النبي قال النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه عن جبريل بقراءاته وتلاوته ، وأنه متواتر بتلاوته وطرق قراءاته ، وهو محفوظ بقراءاته وتلاوته ، وأن العناية تتجه إلى قراءاته لا إلى تسطيره فهو يحفظ بتواتره جيلا بعد جيل محفوظا في الصدور ، وليس متواترا فقط بكتابته في السطور .
والوصف الثاني أنه عربي فلا يعد قرآنا ما ليس بعربي ، فترجمة القرآن لا تعد قرآنا بل إنه لا يمكن ترجمته قط كما قرر العلماء ، وكما هو الحق في ذاته ، وإذا كان قد رُوى عن أبي حنيفة أنه أجاز قراءة الفاتحة بالفارسية فذلك على أنها دعاء لا على أن الترجمة قرآن ، ولذا لا تجب سجدة التلاوة بقراءة الترجمة ، ومع ذلك فالرواية الصحيحة أنه رجح ذلك ، والله أعلم .
وقال تعالى في شأن القرآن وصفا ثالثا ، وهو تصريف الوعيد فيه ، من ذكر القصص الذي فيه المثلاث ، وما نزل بالعصاة ، وفيه ذكر يوم القيامة ، وما يكون فيه من عقاب وحساب ، وفي ذكر الحق في ذاته ، وبيان كماله ، وكمال من يتحلى به .
و{ الوعيد} هو الإنذار ، وتصريف الإنذار الإتيان به بأساليب مختلفة ، كما أشرنا من بيان هول يوم القيامة ، أو قصص الماضين ، وفيه عبرة لأولى الأبصار ، وهو القيامة ، والتنبيه للآيات المختلفة الدالة على قدرة الله العلي .
وقال تعالى:{ لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا} ، أي صرفنا من الوعيد بطرق البيان المختلفة الصادقة ليكونوا في حال من يرجى تقواهم وإذعانهم للحق ، وتصديقهم له ، ويتقون بذلك عذاب جهنم وإغضاب الله تعالى . وينالون رضوانه وهو أعظم الثواب ، أو يحدث هذا التصريف لهم ذكرا يذكرهم بعذاب العاصين ، ويكون لهم نذيرا ، وقد أسندت التقوى إليهم ، لأنها أمر نفسي يتجهون إليه بعد قيام الدليل ، وأما من لم يتعظ فالقرآن يحدث لهم ذكرا وإنذارا ولقد قال تعالى:
{ فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما 114} .