قال تعالى:{ فتعالى الله الملك الحق} ، الفاء للإفصاح عن شرط مقدر تقديره:إذا كان قد أنزل القرآن وصرف من الوعيد ليتقي من يتقي وليذر من لم يتعظ ، فإن هذا يدل على علوه وكمال حكمته . ( تعالى ) معناها بلغ في العلو أعلاه ، وقد تعالى في ذاته وصفاته فليس كمثله شيء ، وهو منزه عن الحوادث ومتصف بصفات الجلال والكمال ، وهو الملك النافذ الأمر في خلقه ، والمبدع لهذا الوجود الذي لا سلطان لأحد سواه ، وكل سلطان لأحد في الأرض مضطرب ينتهي إلى زوال ، ومحاسب عما يفعل ، ومجزي على عمله ، وتدبيره وفكره العملي ، فالله هو الملك الحق الثابت الذي لا يكون فوقه أحد ، وهو العدل الذي يقدر كل شيء حق قدره .
هذا هو الله خالق السماوات والأرض وما بينهما ، وهو الذي يملك ميزان هذا الوجود:{ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولأن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . . 41} ( فاطر ) .
ولقد ذكر سبحانه نزول القرآن فقال عز من قائل:{ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه} .
كان النبي صلى الله عليه يساوق الأمين جبريل في قراءته عندما يوحى إليه بالقرآن فنهاه الله تعالى عن ذلك ، وقال هذا النص السامي له تعليما عند تلقي القرآن الكريم ، وقوله تعالى:{ من قبل أن يقضى إليك وحيه} ، أي من قبل أن ينتهي وحيه إليك ويحكم بترتيله وتلاوته ، حتى ينقله إلى أمته مرتلا فيتوارثوه مرتلا ، وذلك كقوله تعالى:في سورة القيامة:{ لا تحرك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه 17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19} ( القيامة ) ، وقرآنه الثانية معناها تلاوته وترتيله ، كما قال تعالى:{. . . ورتل القرآن ترتيلا 4} ( المزمل ) ، وكما قال تعالى:{ وقال الذين كفروا لولا نُزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا 32} ( الفرقان ) .
هذا تعليم من الله تعالى لنبيه في أمر يتعلق بمعجزته الكبرى ليتحقق حفظ الله تعالى كما وعد ،{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون 9} ( الحجر ) ، وقد نبه سبحانه نبيه إلى ذلك العلم ، وأمره بأن يطلب الزيادة في العلم ، لأن كمال الإنسان في العلم وطلب الزيادة فيه فقال:{ وقل رب زدني علما} الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يطلب الزيادة في العلم بالضراعة إليه سبحانه ، وبالسعي في طلبه ، قال الزمخشري في هذا المقام:"هذا الأمر متضمن للتواضع لله تعالى ، والشكر له عندما علم من ترتيب التعليم أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعليم ، وأدبا جميلا ما كان عندني ، فزدني علما إلى علم ، فإن لك في كل شيء حكمة وعلما ، قيل:ما أمر الله تعالى رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم".