الجزاء في الآخرة وعلم القرآن في الدنيا
{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما 112 وكذلك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا 113 فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما 114} .
بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى جزاء الأشرار وحالهم عندما يظهر لهم البعث ويرونه عيانا ، وقد أنكروه من قبل وشددوا في إنكاره حتى حسبوه غير معقول ، ذكر لهم حال الذين آمنوا به وصدقوه:{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما 112} .
{ ومن يعمل من الصالحات} ، أي من يقوم بالعمل الصالح في علاقته بربه ، فلا يخضع إلا له ، ويقوم بالعبادة التي كلفه إياها ، وينفع الناس استجابة لأمر ربه ، ويحب نفعهم ، ويكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( أن يحب الشيء لا يحبه إلا الله{[1493]} ) فيكون في عبادة دائمة حتى في مأكله ومشربه وملبسه وفي بضعه إذ يفعل ذلك استجابة لله تعالى ، وقال تعالى:{ وهو مؤمن} "الواو"واو الحال ، أي والحال أنه مؤمن ، فالعمل الصالح لا يعطي حقه من الجزاء إلا مع الإيمان ، لأن معطى الجزاء هو الله تعالى ، والإيمان هو الإيمان بالله وكيف يثاب من الله تعالى من لا يؤمن بالله تعالى ، إنه حائر بائر ليس له مقصد في عمله ، ولا نية يرتجى الخير بها ، وقد قال في الذين كفروا وفعلوا بعض الأمور النافعة في الدين "{ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلموا الله ولكن أنفسهم يظلمون 117} ( آل عمران ) .
وقوله تعالى:{ فلا يخاف ظلما ولا هضما} ، هذا جواب الشرط ، ومعناه يعطون أجرهم موفورا غير منقوص{ فلا يخاف ظلما ولا هضما} الظلم النقص من العمل أو ثوابه ، والهضم معناه الكسر ، وقد خاض المفسرون في الفرق بينهما ، وحيثما اجتمعا وجب ذكر الفرق ، لأنه يجب أن يكون لكل معنى خاصا به مؤسسا عليه والتأسيس أولى من التأكيد .
ونقرب الفرق بينهما فنقول:إن الظلم هنا هو النقص من الأعمال التي يستحق عليه الثواب ، والزيادة من السيئات انتقاص من الأعمال الصالحة ، وأما الهضم فهو ألا تعطي الأعمال حقها فتكسر ، كما يكسر الطعام في قلب الهضيم ، والله أعلم .
بعد ذلك ذكر الله تعالى القرآن الكريم في مقام بيان الحق والهداية في الحياة الدنيا وكيف بقي محفوظا إلى يوم الدين .