قوله تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْما وَلاَ هَضْما 112} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن بربه فإنه لا يخاف ظلما ولا هضما .وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع ؛كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيما 40} ،وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 44} ،وقوله تعالى:{وَوَجَدُواْ ما عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا 49} إلى غير ذلك من الآيات ،كما قدمنا ذلك .
وفرق بعض أهل العلم بين الظلم والهضم: بأن الظلم المنع من الحق كله .والهضم: النقص والمنع من بعض الحق .فكل هضم ظلم ،ولا ينعكس .ومن إطلاق الهضم على ما ذكر قول المتوكل الليثي:
إن الأذلة واللئام لمعشر *** مولاهم المتهضم المظلوم
فالمتهضم: اسم مفعول تهضمه إذا اهتضمه في بعض حقوقه وظلمه فيها .وقرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا ابن كثير{فَلاَ يَخَافُ} بضم الفاء وبألف بعد الخاء مرفوعاً ولا نافية .أي فهو لا يخاف ،أو فإنه لا يخاف .وقرأه ابن كثير «فلا يخف » بالجزم من غير ألف بعد الخاء .وعليه ف«لا » ناهية جازمة المضارع .وقول القرطبي في تفسيره: إنه على قراءة ابن كثير مجزوم ؛لأنه جواب لقوله{وَمَن يَعْمَلْ}غلط منه رحمه الله ؛لأن الفاء في قوله{فَلاَ يَخَافُ} مانعة من ذلك .والتحقيق هو ما ذكرنا من أن «لا » ناهية على قراءة ابن كثير ،والجملة الطلبية جزاء الشرط ،فيلزم اقترانها بالفاء ؛لأنها لا تصلح فعلاً للشرط كما قدمناه مراراً .
وقوله تعالى:{وَكَذلك أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} الآية .
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة «الكهف » فأغنى ذلك عن إعادته هنا .