{ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما 111} .
{ عنت} من عنا يعنو إذا خضع ، وخشع وخنع ، ومنه قولهم عن الأسير أنه العاني ، أي الخاضع وهذا الخنوع هل هو في الدنيا ، أم في اليوم الآخر ؟ إنه بلا شك في اليوم الآخر ، لأن الله سبحانه هو مالك يوم الدين ، وهو مالكه ، ففيه لا يكون إرادة إلا إرادة الواحد القهار ، وقيل إن هذا في الدنيا ، فإن الله تعالى في قبضته السماوات والأرض فكل الوجود خانع عان له سبحانه .
ورأى أن ذلك في الدنيا والآخرة:{ الوجوه} المراد به الذوات كلها ، فالوجه يعبر به عن الذوات ، لأن به المواجهة ، وقوله تعالى:{ للحي القيوم} ، أي الذي يبقى ولا يموت أبدا ، فهو الحي الباقي الذي تذل له كل الوجوه ، والقيوم هو القائم على الخلق يدبرهم ، وهو القائم عليهم يحصي حسناتهم وسيئاتهم ، وهو الدائم الباقي ملك الناس في الدنيا والآخرة .
ولقد قال سبحانه:{ وقد خاب من حمل ظلما} .
الواو واو الحال ، والخيبة:الخسران والفشل والعجز ، فهي تشمل في معناها كل هذه المعاني ، وسجل سبحانه وتعالى الخيبة على من حمل ظلما ، وعبر سبحانه وتعالى عن حمل الظلم أو كسبه بقوله تعالى:{ من حمل ظلما} إشارة إلى أنه وزر كبير ينوء به من يحمله ، وإنه يحسبه هينا ، وهو حمل ثقيل ، وهو تنبيه لمن يظلمون مستهينين بالناس مستخفين بأنهم يحملون ثقلا ينوء به الناس أمام الله ، وقد نكّر{ ظلما} للإشارة إلى أن عموم الظلم عبء كبير ، والمعنى حمل ظلما أي ظلم .
وفي الحديث الصحيح:"يقول الله عز وجل:{ وعزتي وجلالي لا يجاوز اليوم ظلم ظالم}{[1491]} وعن النبي صلى الله عليه وسلم:( إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة{[1492]} ) والخيبة كل الخيبة لمن لقي الله تعالى وهو به مشرك فإن الله يقول:{ إن الشرك لظلم عظيم 13} ( لقمان ) والظلم قلّ أو كثر خيبة كل الخيبة ، لأن من ينال حقه بظلم خائب أمام الله والناس والحق في ذاته ، وناقص في إنسانيته ، والله أعلم .