وقوله- سبحانه-:وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ... مؤكد ومقرر لما قبله من خشوع الأصوات يوم القيامة للرحمن، ومن عدم الشفاعة لأحد إلا بإذنه- عز وجل-.
والفعل عَنَتِ بمعنى ذلت يقال:عنا فلان يعنو عنوا- من باب سما- إذا ذل لغيره وخضع وخشع، ومنه قيل للأسير عان لذله وخضوعه لمن أسره.
أى:وذلت وجوه الناس وخضعت في هذا اليوم لله- تعالى- وحده لِلْحَيِّ أى:
الباقي الذي له الحياة الدائمة التي لا فناء معها الْقَيُّومِ أى:الدائم القيام بتدبير أمر خلقه وإحيائهم وإماتتهم ورزقهم.. وسائر شئونهم.
وهذا اللفظ مبالغة في القيام. وأصله قيووم بوزن فيعول.. من قام بالأمر.
إذا حفظه ودبره.
وخصت الوجوه بالذكر لأنها أشرف الأعضاء، وآثار الذل أكثر ما تكون ظهورا عليها.
وظاهر القرآن يفيد أن المراد بالوجوه جميعها، سواء أكانت للمؤمنين أم لغيرهم، فالكل يوم القيامة خاضع لله- تعالى- ومستسلم لقضائه، فالألف واللام للاستغراق.
قال ابن كثير:قوله- تعالى-:وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ قال ابن عباس وغير واحد- من السلف- خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لخالقها وجبارها الحي الذي لا يموت..
ويرى بعضهم أن المراد بالوجوه التي ذلت وخشعت في هذا اليوم، وجوه الكفار والفاسقين، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال:المراد بالوجوه وجوه العصاة، وأنهم إذا عاينوا- يوم القيامة- الخيبة والشقوة وسوء الحساب وصارت وجوههم عانية، أى:
ذليلة خاشعة، مثل وجوه العناة وهم الأسارى، ونحوه قوله- تعالى-:فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا .
ويبدو لنا أن القول الأول أقرب إلى الصواب، لأن جميع الوجوه يوم القيامة تكون خاضعة لحكم الله- تعالى- ومستسلمة لقضائه.
وقوله:وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً جملة حالية، أى:ذلت جميع الوجوه لله- تعالى- يوم القيامة، والحال أنه قد خاب وخسر من حمل في دنياه ظلما، أى:شركا بالله- تعالى- أو فسوقا عن أمره- سبحانه- ولم يقدم العمل الصالح الذي ينفعه في ذلك اليوم العسير.