قوله:{وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما} ( وعنت ) أي خضعت وذلت .والعاني الأسير .يقال: عنا فلان فيهم أسيرا ؛أي أقام على إساره فهو عان ،وقوم عُناة .ونسوة عوان{[2996]} و ( القيوم ) الدائم بتدبير الخلق ؛وذلك كائن يوم القيامة ،حين يأتي الناس خاشعين مستسلمين أذلة ،وقد غمرتهم داهية الساعة بعظمائها المذهلة ،وغشيت قلوبهم ووجوههم غواش كثاف من الذل والذعر والاستسحار ؛فهم حينئذ خاضعون واجمون حيارى من هول المعاينة ومما يجدونه من جلل الخطوب والمشاهد .كل هاتيك المعاني من الرعب واليأس والاستسلام والخشوع يتجلى في هذه العبارة القرآنية الفذة .العبارة القصيرة الوجيزة ذات الكلمات الموحية المؤثرة ،والتي تشْدَهُ الحس والخاطر ،وتنفذ إلى الصميم من الوجدان والمشاعر .فما يتملى القارئ هذه الآية حتى يقفز به الخيال في نقلة عجيبة مذهلة إلى واقع مميز جديد ،واقع القيامة بغواشيها وعظائمها وعرصاتها .وذلك دليل ظاهر من أدلة كاثرة على أن هذا الكلام من نظم الإله القادر ( وقد خاب من حمل ظلما ) أي خسر ويئس من أتى ربه يوم القيامة بظلم وهو الشرك .وفي الصحيح:"إياكم والظلم ؛فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ،والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك ؛فإن الله تعالى يقول: ( إن الشرك لظلم عظيم ) .