ولكن موسى عدل عن بيان ما هي عليه ، وعن مادتها إلى بيان ما يستخدمها ، واكتفى في بيان ماهيتها بقوله{ هي عصاي} ، والياء ياء المتكلم فُتِحت لوقوعها بعد ألف "عصا"، وقرئ بكسرها تخلصا من التقاء الساكنين بالكسر ، وهو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين .
وخلاصة القول ، أن الاستفهام توجيه لذهن موسى عليه السلام إلى أن ينظر في حقيقتها لكي يدرك من بعد وجه الإعجاز إذا رأى حالها بعد ذلك في الحال التي تتحول إليها .
وقد أجاب موسى عليه السلام إلى المنفعة التي ينتفع بها فيها وذكر أمرين وأمر ثالث فيه شتى المنافع ، الأمر الأول مما ذكره عبر عنه عليه السلام بقوله:{ أتوكأ عليها} ، أي أعتمد عليها في متابعتي للغنم ، ومراقبتي لها عندما يحل بنا التعب ، أو أعتمد عليها في كل الأحوال في مراقبتي لها ، والأمر الثاني ذكره بقوله:{ وأهش بها على غنمي} ، أي أخبط على رأسه خبطا خفيفا ، لأبعده عن مواطن تضره ، وذلك من هش الورق إذا خبطه خبطا يسيرا لينظمه ، وفي ذلك دلالة على الرفق بهذا الحيوان الضعيف وتوجيهه بأقل ما يكون من توجيه من غير ضرب ولا زجر ، ولذا كان النبيون يعوّدون الرفق برعاية الغنم ، فهذا نبي الله موسى قبل أن يبعثه الله رسولا نزعه من قصور فرعون إلى رعاية الغنم ، وهو القوي الذي وكز الرجل من آل فرعون فقضى عليه ، فكان لا بد أن يذوق الفقر ويتعود الرفق في رعي الغنم . والأمر الثالث الذي أشار إليه هو قوله:{ ولي فيها مآرب أخرى} والمآرب جمع مأربة بضم الراء وكسرها وفتحها ، وهي الحوائج والمنافع ، وقال{ أخرى} ، لأن جمع ما لا يعقل يكون بالمفرد المؤنث كقوله تعالى:{. . .يا جبال أوّبي معه . . .10} ( سبأ ) ، فقد خوطبت الجبال بالمفرد المؤنث ، وقد روي عن ابن عباس أنه عد هذه المآرب فقال:"إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا ، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض ، وألقيت عليها ما يظلني ، وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها ، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي ، وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة ، وأقاتل بها السباع عن الغنم".
وقد أفاض الرسول في الرد بعض الإفاضة باتجاهه إلى بيان منافعها فبدل أن يقول في ماهيتها:عود من شجرة ، ليستأنس بكلام ربه فهو كلام العلي الأعلى .
وكانت هذه العصا بعد ذلك أداة ظاهرة للمعجزات فبها ضرب البحر فافترق ، وكان كل فرق كالطود العظيم ، وضرب الحجر فانبجست منه اثننا عشرة عينا .
ذكر موسى لربه ما ينتفع به من العصا ، فصّل ما فصّل ، وأجمل ما أجمل