الرسالة والتبليغ
أمرهما الله تعالى بالأمر القاطع ، بأن يذهبا إلى فرعون ، كما أمر محمدا صلى الله عليه وسلم من بعد أن يصدع بأمر ربه فقال له:{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين 94} ( الحجر ) .
فقال لهما سبحانه:{ اذهبا إلى فرعون إنه طغى 43} وقد أشرنا إلى نواحي طغيانه في قوله لموسى منفردا{ اذهب إلى فرعون . . .24} وفي هذه الآية خاطبه وأخاه هارون إجابة لطلبه ، فقال:{ اذهبا إلى فرعون إنه طغى 43} ، وقد طلب منهما أن يترفقا في القول معه ، فقال سبحانه:{ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى 44} والقول اللين لا يكون بالملق أو الإدهان أو المواراة ، فإن هذه أمور تتجافى مع الحق إلا بالقول الحق ، وما كانت رسالة موسى وأخيه إلا الحق وطلب الحق ، ولا يطلب الحق إلا بالقول الحق ، وإنما لين القول يكون باللين والرفق ، حتى لا يُصدم في أمره بالجفوة ، وبيان أن الحق يزكي نفسه ، ويرفع نفسه فوق ما هي فيه ، كأن يقولا له:هل لك إلى أن تزكي ، لأن ظاهر القول التساؤل والاستفهام ، وأن يتبع الأمر باختياره لا بطلب من أحد ، ومن القول اللين ألا يجافيه وأن يخاطبه بما لا يمس سلطانه ، فإن طواغيت الدنيا لا يجدون شيئا أعز عليهم من سلطانهم في الأرض ، فيصابون في حسهم إذا مُسّ ولو من بعيد ، وإن قول موسى قولا لينا لفرعون يتفق مع أصل التبليغ الصحيح الذي يقتضي اللين في القول ، كما قال تعالى مخاطبا محمدا صلى الله عليه وسلم:{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاروهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله . . .159} ( آل عمران ) ، وإن اللطف في الدعوة من موسى لفرعون يقتضي الرفق في القول ، لأنه رباه صغيرا ورعاه ، وكانت له به محبة فكان له مثل حق الأبوة ، وقد عتب فرعون على موسى حتى هذه الدعوة الرقيقة ، وقال له:{. . .ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين 18} ( الشعراء ) .