وقوله تعالى:{إِنَّهُ طَغَى 43} .
أصل الطغيان: مجاوزة الحد ،ومنه:{إِنَّا لَما طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ في الْجَارِيَةِ 11} وقد بين تعالى شدة طغيان فرعون ومجاوزته الحد في قوله عنه:{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعْلَى 24} ،وقوله عنه{ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ،وقوله عنه أيضاً:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ 29} .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ،{وَلاَ تَنِيَا} مضارع ونى يني ،على أحد قول ابن مالك في الخلاصة:
فا أمراً ومضارع من كوعد *** احذف وفي كعدة ذاك اطرد
والونى في اللغة: الضعف ،والفتور ،والكلال والإعياء ،ومنه قول امرئ القيس في معلقته:
مسح إذا ما السابحات على الونى *** أثرن غباراً بالكديد المركل
وقول العجاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر *** له الإله ما مضى وما غبر
فقوله:{وَلاَ تَنِيَا في ذِكْرِى} أي لا تضعفا ولا تفترا في ذكري .وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته في قوله:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاما وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ،وأمر بذكر الله عند لقاء العدو في قوله{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} كما تقدم إيضاحه .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة: والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله في حال مواجهة فرعون ؛ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه ،وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له ،كما جاء في الحديث: «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُناجز قِرْنه » ا ه منه .
وقال بعض أهل العلم:{وَلاَ تَنِيَا في ذِكْرِى} لا تزالا في ذكري ؛واستشهد لذلك بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم *** قباب بنوها لا تني أبداً تغلي
أي لا تزال تغلي .ومعناه راجع إلى ما ذكرنا .والعلم عند الله تعالى .