قوله تعالى:{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى 44} .
أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه «قَوْلاً ليِّناً » أي كلاما لطيفاً سهلاً رقيقاً ،ليس فيه ما يغضب وينفر .وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 17 فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى 19} وهذا والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى .وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع ،كقوله{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} .
مسألة
يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرِّفق واللِّين ؛لا بالقسوة والشدة والعنف .كما بيناه في سورة «المائدة » في الكلام على قوله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية .وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال يزيد الرقاشي عند قوله{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً}: يا من يتحبب إلى من يعاديه ،فكشف بمن يتولاه ويناديه ؟ا ه ولقد صدق من قال:
ولو أن فرعون لما طغى *** وقال على الله إفكا وزورا
أناب إلى الله مستغفرا *** لما وجد الله إلا غفورا
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى 44} قد قدمنا قول بعض العلماء: إن «لَعَلَّ » في القرآن بمعنى التعليل ،إلا التي في سورة «الشعراء »:{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ 129} فهي بمعنى كأنكم .وقد قدمنا أيضاً أن «لعل » تأتي في العربية للتعليل ؛ومنه قوله:
فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا *** نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم *** كشبه سراب بالملا متألق
فقوله: «لعلنا نكف » أي لأجل أن نكف .
وقال بعض أهل العلم:{لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى 44} معناه على رجائكما وطمعكما ،فالترجي والتوقع المدلول عليه بلعل راجع إلى جهة البشر .وعزا القرطبي هذا القول لكبراء النحويين كسيبويه وغيره .