{اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} فادّعى الربوبية لنفسه ،واستعبد الناس ،ومضى يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ،ويعيث في الأرض فساداً هو وحاشيته المنحرفة الطاغية .ولما كان هذا الطغيان ناشئاً من الجهل بحقائق الأمور في ما ينبغي للإنسان أن يحمله من فكر ،أو يعتنقه من عقيدة ،ومن الغفلة عن الإيمان بالله الواحد القادر الحكيم الخالق الذي هو مالك السماوات والأرض ،ومالك الموت والحياة ،الذي يجعل الإنسان مستغرقاً في ذاته ،وفي عناصر القوة الذاتية ،وفي مظاهر العظمة المادية المحيطة به ،فيتعاظم في درجات الغرور ،حتى ليخيل إليه أنه في مواقع الآلهة ،لا سيما إذا عاش في مجتمع يعيش الانسحاق أمام مظاهر العظمة المادية لدى هؤلاء .ولهذا كان من الضروري للرساليين أن يخططوا في الدعوة ،من أجل تغيير المفهوم المنحرف لدى هؤلاء ،لتتغير القاعدة الفكرية التي ينطلقون منها في ما يفكرون وفي ما يتحركون .ولا بد في هذا المجال من دراسة أفضل الأساليب الفنية للخصائص الفكرية والروحية من أجل تحقيق الاتصال الهادىء الذي ينفذ إلى القلب بمرونة ،بعيداً عن كل عوامل الإثارة القاسية التي تشبه الصدمة القوية المضادة ،لأن الأسلوب هو العنصر الحيوي في تحريك الفكر والشعور ،نحو الارتباط بالقناعات الرسالية ،لأنه هو الذي يهيىء الجو النفسي للانسجام مع الفكرة في خطواتها العملية ،ولهذا أكد الله سبحانه لهما أن عليهما أن يختارا الأسلوب اللين في الكلمة والجو ،والابتعاد عن طبيعة الإثارة في ذلك