اطمأنا إلى قول الله تعالى ، وما كان لهما إلا أن يطمئنا بنصرته وتدبيره ، ونجاتهما من فرط فرعون وطغيانه ، ولذا قال:{ فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى 47} .
"الفاء"هنا "فاء الإفصاح"تفصح عن شرط مقدر تقديره:إن ذهب الخوف ، واطمأننتما إلى الله{ فأتياه} فاذهبا إليه ، والتعبير بإتيانه يفيد أنهما مدرعان بقوة الله التي ترهب كل مخلوق ، ولو كان فرعون طاغية الأرض{ فقولا إنا رسولا ربك} ذكرت رسالتهما معا مكاثرة عليه ومغالبة ، ولأنهما رسولا رب العالمين أحدهما بالأصالة والثاني بالمؤازرة والمعاونة ، لقد أعطاهما الله تعالى قوة بعد ضعف وأمنا بعد خوف فأمراه ونهياه ، وهو الذي كان يقول أنا ربكم الأعلى ، أمراه فقالا:{ فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم} والأمر والنهي يتعلق بسلطانه وقوته وبطشه فهو يمس صميم جبروته{ فأرسل معنا بني إسرائيل}وتخلّ عن حكمهم وأخرجهم عن طاعتك وجبروتك وطغيانك{ ولا تعذبهم} وكان – عليه اللعنة – يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويكلفهم بأشق الأعمال من حفر الترع وحمل الطوب والآجر والأحجار في بناء الأبنية الكبيرة مع الإذلال والاستهانة والعنت الشديد ، فجمع لهم عذاب الأجسام وإرهاقها ، وعذاب الأنفس بإذلالها ، وإذاقتهم عذاب الهوان ، فكان كلامهما محاربة لطغيانه ، ومواجهة له في قوته وجبروته .
و"الفاء"في قوله:{ فقولا} عاطفة للترتيب والتعقيب من غير تراخ ، فمجرد أن أتياه جابهاه بالقول المر الذي لم يسمعه أبدا ، ولكنهما أسمعاه له بقوة الله تعالى وقدرته ، وبما ألقاه تعالى في قلوبهما من قوة الحق الذي جهرا به ، ولقد رجعا إلى الله تعالى في آياته البينة التي تدل على رسالتهما ، فقالا:{ قد جئناك بآية من ربك} وهنا انتقل الموقف بهما من خائفين إلى مرهبين ، وقوله تعالى:{ قد جئناك} ، أي جئناك مجابهين مسلحين بآية{ من ربك} الذي خلقك ورباك وأعطاك هذا السلطان والجبروت اختبارا لنفسك ، وكل فعل وقول محتسب عليك ، وختما قولهما بإلقاء الأمن بعد الإرهاب المفزع له ، ولو كان فرعون مصر ، فقالا:{ والسلام على من اتبع الهدى} ، أي إن الأمن والاطمئنان والدعة وعدم الانزعاج يكون لمن اتبع الهدى ، فإن لم تتبع الهدى فلا أمن ولا اطمئنان ، بل انزعاج وعدم الاستقرار ، وإرهاب من الله ، ولو كنت فرعون ، ووحّدا الآية وهما اثنتان ، لأن المراد ما به البرهان على الرسالة وواحدة كافية .