قوله تعالى:{فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إسرائيل وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن ربِكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى 47} .
ألف الاثنين في قوله «فَأتياه » راجعة إلى موسى وهارون .والهاء راجعة إلى فرعون .أي فأتيا فرعون «فقولا » له: «إنا رسولان إليك من ربك فأرسل معنا بني إسرائيل » أي خل عنهم وأطلقهم لنا يذهبون معنا حيث شاؤوا ،ولا تعذبهم .
العذاب الذي نهى الله فرعون أن يفعله ببني إسرائيل: هو المذكور في سورة «البقرة » في قوله:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفي ذلكمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ 49} ،وفي سورة «إبراهيم » في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} الآية ،وفي سورة «الأعراف » في قوله تعالى:{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} الآية ؛وفي سورة «الدخان » في قوله:{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إسرائيل مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ 30 مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ 31} وفي سورة «الشعراء » في قوله:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بني إسرائيل 22} الآية .
وما أمر به الله موسى وهارون في آية «طه » هذه من أنهما يقولان لفرعون إنهما رسولا ربه إليه ،وأنه يأمره بإرسال بني إسرائيل ولا يعذبهمأشار إليه تعالى في غير هذا الموضع ،كقوله في سورة «الشعراء »:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 16 أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إسرائيل 17} .
تنبيه
فإن قيل ،ما وجه الإفراد في قوله{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 16} في «الشعراء » ؟مع أنهما رسولان ؟كما جاء الرسول مثنى في «طه » فما وجه التثنية في «طه » والإفراد في «الشعراء » ،وكل واحد من اللفظين: المثنى والمفرد يراد به موسى وهارون ؟
فالذي يظهر ليوالله تعالى أعلمأن لفظ الرسول أصله مصدر وصف به ،والمصدر إذا وصف به ذكر وأفرد كما قدمنا مراراً .فالإفراد في «الشعراء » نظراً إلى أن أصل الرسول مصدر .والتثنية في «طه » اعتداداً بالوصفية العارضة وإعراضاً عن الأصل ،ولهذا يجمع الرسول اعتداداً بوصفيته العارضة ،ويفرد مراداً به الجمع نظراً إلى أن أصله مصدر .ومثال جمعه قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ} الآية ،وأمثالها في القرآن .ومثال إفراده مراداً به الجمع قول أبي ذؤيب الهذلي:
ألكنى إليها وخير الرسول *** أعلمهم بنواحي الخبر
ومن إطلاق الرسول مراداً به المصدر على الأصل قوله:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم *** بقول ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة .وقول الآخر:
ألا بلغ بني عصم رسولا *** بأني عن فتاحتكم غني
يعني أبلغهم رسالة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} يراد به جنس الآية الصادق بالعصا واليد وغيرهما ؛لدلالة آيات أخر على ذلك .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى 47} يدخل فيه السلام على فرعون إن اتبع الهدى .ويفهم من الآية: أن من لم يتبع الهدى لا سلام عليه ،وهو كذلك .ولذا كان في أول الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم «بسم الله الرحمن الرحيم .من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم ،سلام على من اتبع الهدى .أما بعدفإني أدعوك بدعاية الإسلام » إلى آخر كتابه صلى الله عليه وسلم .