اتجه فرعون إلى سؤال آخر فقال:{ قال فما بال القرون الأولى 51} فأجابه موسى الحكيم الكليم:{ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى 52} .
قال فرعون:{ فما بال القرون الأولى} ، أي حالها ومآلها ، وما صنع بها ، و"الفاء"هنا للإفصاح ، والسؤال قال بعض المفسرين:ليصرفه عن الحديث عن الله تعالى ، وهو لا يريد السماع عن إله غيره . وإني أرى أن السؤال كان عن أمر ديني عند المصريين القدماء ، إذ إن الديانة المصرية كانت تؤمن بالبعث ، ولذا عنوا بالتحنيط لتبقى الأجسام كما هي ، وتبعث كما هي ، ولهم في ذلك أقوال بينة ، حتى إن الكتاب المقدس لديهم هو "كتاب الموتى"يضعونه في قبر الميت الذي يموت ، وهو كتاب يشتمل على فضائل الأخلاق ، وعلى ما تلقنه الروح لتحسن الإجابة أمام محكمة الحساب في اليوم الآخر عندهم ، وهو يعد الكتاب الأعلى عند قدماء المصرين ، ويتعبدون بقراءته أحياء ويوضع في قبورهم عند موتهم .
وعلى ذلك إن سؤال فرعون لموسى عن حال القرون أي الأجيال ، سؤال نابع من مذهبهم في الموتى ، وإذا كان العرب يفضلون المصريين بأنهم في جاهليتهم كانوا يعرفون الله الخالق المنزه عن المشابهة للحوادث ، ولكنهم يعبدون الأوثان معه ، فالمصريون القدماء عرفوا البعث والحساب ، الأمر الذي كان يجهله العرب ويقولون:{. . .أئنا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد . . .5} ( الرعد ) .