والبال: كلمة دقيقة المعنى ،تطلق على الحال المهمّ ،ومصدره البالة بتخفيف اللاّم ،قال تعالى:{ كفّر عنهم سيّآتهم وأصلح بالهم}[ محمد: 2] ،أي حالهم .وفي الحديث"كل أمر ذي بال ... "الخ ،وتطلق على الرأي يقال: خطر كذا ببالي .ويقولون: ما ألقى له بالاً ،وإيثار هذه الكلمة هنا من دقيق الخصائص البلاغيّة .
أراد فرعون أن يحاجّ موسى بما حصل للقرون الماضية الذين كانوا على ملّة فرعون ،أي قرون أهل مصر ،أي ما حالهم ،أفتزعم أنّهم اتفقوا على ضلالة .وهذه شنشنة من لا يجد حجّة فيعمد إلى التشغيب بتخييل استبعاد كلام خصمه ،وهو في معنى قول فرعون وملئه في الآية الأخرى{ قالوا أجِئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا}[ يونس: 78] .
ويجوز أن يكون المعنى أنّ فرعون أرَاد التشغيب على موسى حين نهضت حجّته بأن ينقله إلى الحديث عن حال القرون الأولى: هل هم في عذاب بمناسبة قول موسى:{ أنّ العذاب على من كذّب وتولّى}[ طه: 48] ،فإذا قال: إنّهم في عذاب ،ثارت ثائرة أبنائهم فصاروا أعداء لموسى ،وإذا قال: هم في سلام ،نهضت حجّة فرعون لأنه متابع لدينهم ،ولأنّ موسى لمّا أعلمه بربّه وكان ذلك مشعراً بالخلق الأوّل خطر ببال فرعون أن يسأله عن الاعتقاد في مصير النّاس بعد الفناء ،فسأل: ما بال القرون الأولى ؟ما شأنهم وما الخبر عنهم ؟وهو سؤال تعجيز وتشغيب .