تولى موسى الجواب لأنّه خصّ بالسؤال بسبب النّداء له دون غيره .
وأجاب موسى بإثبات الربوبية لله لجميع الموجودات جرياً على قاعدة الاستدلال بالكلية على الجزئية بحيث ينتظم من مجموعهما قياس ،فإن فرعون من جملة الأشياء ،فهو داخل في عموم{ كل شيء} .
و{ كُلَّ شَيْءٍ} مفعول أول ل{ أعطى} .و{ خَلْقَهُ} مفعوله الثاني .
والخلق: مصدر بمعنى الإيجاد .وجيء بفعل الإعطاء للتنبيه على أنّ الخلق والتكوين نعمة ،فهو استدلال على الربوبية وتذكير بالنعمة معاً .
ويجوز أن يكون الخلق بالمعنى الأخصّ ،وهو الخَلق على شكل مخصوص ،فهو بمعنى الجَعْل ،أي الذي أعطى كل شيء من الموجودات شكله المختصّ به ،فكُونت بذلك الأجناسُ والأنواع والأصناف والأشخاص من آثار ذلك الخلق .
ويجوز أن يكون{ كُلَّ شَيْءٍ} مفعولاً ثانياً ل{ أعطى} ومفعوله الأول{ خَلْقَهُ} ،أي أعطى خلقه ما يحتاجونه ،كقوله:{ فأخرجنا به نبات كل شيء}[ الأنعام: 99] .فتركيب الجملة صالح للمعنيين .
والاستغراق المستفاد من ( كلّ ) عُرفي ،أي كل شيء من شأنه أن يعطاه أصنافُ الخلق ويناسب المعطي ،أو هو استغراق على قصد التوزيع بمقابلة الأشياء بالخلق ،مثل: ركب القوم دوابّهم .
والمعنى: تأمل وانظر هل أنتَ أعطيت الخَلق أوْ لاَ ؟فلا شك أنه يعلم أنّه ما أعطى كلّ شيء خلقه ،فإذا تأمل علم أن الرب هو الذي أفاض الوجود والنّعم على الموجودات كلّها ،فآمن به بعنوان هذه الصفة وتلك المعرفة الموصّلة إلى الاعتقاد الحق .
و ( ثُم ) للترتيب بمعنييْه الزمني والرتبي ،أي خلق الأشياء ثمّ هدى إلى ما خلقهم لأجله ،وهداهم إلى الحق بعد أن خلقهم ،وأفاض عليهم النّعم ،على حد قوله تعالى:{ ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين}[ البلد: 8 10] أي طريقي الخير والشرّ ،أي فرّقنا بينهما بالدلائل الواضحة .
قال الزمخشري في « الكشاف »: « ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق » .