أجابه موسى لأن النداء وجه إليه فتعين أن يكون المجيب:
{ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى 50}{ ربنا} الذي خلقنا وربنا الذي قام على شؤوننا ، وسير أمورنا هو{ الذي أعطى كل شيء خلقه} ، أي صورته وحاله التي تناسب ما عهد به إليه فهو أعطى كل شيء وجوده وهيأه لما أنشأه لأجله ، ولقد قال في ذلك الإمام الزمخشري:"أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد ، والرجل واللسان كل واحد مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه ، أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة". والمعنى أنه أعطى كل موجود الصورة التي اختارها سبحانه وتعالى له ، وهيأ كل ما فيه من قوى لما أعده الله سبحانه وتعالى له ، فكل قوي الإنسان والحيوان صوره الله سبحانه لكي يؤدي عمله الذي خلقه الله تعالى له ، ثم بعد هذا الخلق تكون الهداية العامة في الحياة وفي الخير وفي الشر ، فقال تعالى:{ ثم هدى} وكان العطف ب"ثم"فيه دلالة على البعد بين أصل الخلق والتصوير ، وأداء كل عضو مهمته في الحياة وإدراك معانيها ، و{ هدى} أي هدى كل عضو صورة لأداء المنفعة التي خلق لها فهديت العين إلى معرفة الأشياء البصر ، وهديت الأذن لمعرفة كل ما يعلم عن طريق السماع ، وهدى العقل الإنساني إلى إدراك الخير والشر ، كما قال تعالى:{ وهديناه النجدين 10} ( البلد ) ، وكما قال تعالى:{ ونفس وما سواها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8} ( الشمس ) .