وقد أشار سبحانه وتعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى القرآن فقال:
{ وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} .
وسط الله سبحانه بين قصة موسى وهارون ، وقصة إبراهيم حاطم الأوثان بالإشارة إلى القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أزال الأوثان من البلاد العربية ، لأن القرآن أكمل كتاب للشرائع التي فصلت بعضها التوراة ، ونسخ القرآن بعضها ، فأخذ شرعه من شرع موسى بعضه ، ولكنه خالد دائم لا يعروه نسخ ولا تبديل ، ولأن محمدا صلى الله عليه وسلم أزال دولة الأوثان في مستقرها .
و{ هذا} الإشارة إلى القرآن يسمعون تلاوته ، ويتحداهم أن يأتوا بمثله فيعجزون ، ويتحدى الخليقة كلها أن تأتي بمثله فلا تستطيع .{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا 88} ( الإسراء ) .
والإشارة تتضمن كل ما فيه رأوه متلوا ، وعلموه معجزا ، وعاينوا آثاره في إيمان المؤمنين ، وقد عرفه الله تعالى بأنه{ ذكر مبارك} ، أي مذكر بالعذاب والثواب ، وفيه تذكير بالله تعالى إذا امتلأت القلوب به كان فيها ذكر دائم ، وبه تطمئن القلوب ، وتذهب الوساوس ، ولا تضطرب ، ولا تفزع ولا تهلع ولا تجزع ، ووصفه سبحانه بأنه{ مبارك} ، البركة:الخير الدائم المستمر الكثير الخيرات ، ووصف القرآن بذلك أولا لأنه دائم للخير والثمرات المرشدة ما دامت السماوات والأرض ، وهو خالد بخلود خاتم النبيين ، ولأنه قد اشتمل على كل شيء يتعلق بالمواعظ والهداية ، ولأنه مشتمل على الشريعة الباقية إلى يوم القيامة .
وقد رأى العرب المدركون فيه كل ذلك ، ولكن المعاندون لم يدركوه ، لأنه طمس على قلوبهم ولقد قال تعالى من بعد:{ أفأنتم له منكرون} "الفاء"ترتب الاستفهام الدال على استنكار الواقع وهو عدم الإيمان في الوقت الذي كان يجب الإيمان به ، والفاء مقدم عن تأخير لأن الاستفهام له الصدارة ، والتقدير:فأنتم له منكرون ، أي أنه يترتب على هذه الحقيقة الثابتة للقرآن ، وهو مذكر ومبارك سؤالهم أأنتم له منكرون ، وقلنا إن الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع ، فالثابت أنهم منكرون ، وتلك جريمة عقلية وهو جحود بما قام الدليل عليه وإشراك ، حيث قام الدليل على التوحيد ، وإنكار لمعجزة القرآن حيث عجزوا عن الإتيان بمثله .