{ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين 11} .
هذا صنف من الناس لا يدخل الإيمان قلبه إلى درجة الصبر على البلاء في إيمانه ، بل يكون إسلامه بظاهر ، وهو كأولئك الأعراب ، الذين قالوا:آمنا ، أمرهم الله تعالى أن يقولوا:أسلمنا ، ولما يدخل الإيمان بعد في قلوبهم ، هؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم:{ ومن الناس من يعبد الله على حرف} .
"الحرف"هنا هو الطرف ، أي يعبد الله على طرف من الدين ، كالذي يكون على طرف من الجيش يقر فيه إذا أحس بالنصر ليأخذ من الغنيمة ، وإن أحس بالهزيمة فر لكيلا يناله القتل وآثار الهزيمة ، وقال سبحانه:{ يعبد الله على حرف} ، أي على طرف الإيمان ، فلا يعبده عبادة من امتلأ قلبه بالإيمان ، وذاق بشاشته ، وأحس باطمئنان نفس ، واستقامة اعتقاد ، وهذا تصوير لضعفاء الإيمان الذين اضطرب اعتقادهم ، فكأنهم يكونون على حرف مع الإيمان وهو أقرب إلى الكفر ، فطرف الشيء هو الأقرب إلى ما يجافيه ، وقد قالوا:إنها نزلت في بعض الأعراب الذين قدموا المدينة وكان بعضهم إذا صح بدنه ، ونتج إبله وولدت امرأته وكسب مالا وماشية ، قال ما أصبت من هذا الدين إلا خيرا واطمأن ، وإن أصابه شر قال ما أصبت وانقلب ، وروي عن ابن عباس أنه قال:كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث ، وعام ولاد حسن قالوا:إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به ، وإن وجدوه عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا:ما في ديننا هذا خير ، ويصدق على هؤلاء قوله تعالى:{ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله . . . 97} ( التوبة ) ، وهؤلاء وأشباههم من ضعاف الإيمان هم الذين قال الله تعالى فيهم:{ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به} ، أي أصابهم أمر يسرهم ، وهو خير اطمأنوا وسكنوا ،{ وإن أصابته فتنة} ، أي شديدة فيها ابتلاء لإيمانه واختبار لنفسه وتعرف لقوة إيمانه ، انقلب على وجهه ، أي ارتد بعد إسلام ، وكفر بما أعلن الإيمان ، وإن كان على طرف ، وعبر سبحانه عن ردته بقوله:{ انقلب على وجهه} وهذا التعبير فيه تشبيه حال المرتد عن دينه بحال من انقلب فوق وجهه فصار رأسه في أسفله ، ورجلاه في أعلاه أي تصويره بصورة شوهاء ، شاه منظرها ، وقبحت حقيقتها .
وإن من يكون كذلك خسر الدنيا بما أصابه من فتنة لم يعتبر بها في دينه ، وكانت شرا عليه في دنياه ، إذا لم يستفد بها في دينه ، وخسر الآخرة ، لأنه يموت كافرا ، وذلك الأمر الذي آل إليه هو الخسران المبين الواضح .
وقد وصف الله تعالى من تكون هذه حاله بأنه كعبدة الأوثان على سواء .