بعد أن بين سبحانه حال الخصم الأول ، ويشمل الكافرين بشتى أنواعهم الذين يجادلون المؤمنين ، بين سبحانه حال الخصم الآخر وهم المؤمنون ، وإذا كان الفريق الأول قطعت لهم ثياب من نار ، وصب من فوق رؤوسهم الحميم وصهرت أحشاؤهم إذا كان هذا الفريق كذلك ، فالفريق المؤمن يدخله الله تعالى بسبب إيمانه ، ولقد عبر بالموصول ،{ جنات تجري من تحتها الأنهار} ويجتمع فيها النعيم الحسي ، والنفسي ، فيكون المنظر البهيج بالأنهار تجري من تحت الجنات ، وغرف أهل الجنة ، وقد أضاف سبحانه وتعالى الإدخال إليه كأنهم في ضيافته مكرمون ، لا يلقون في الجحيم مدحورين معذبين .
وإذا كانت ثياب المجرمين قطعت من نار لبسوها ، فثياب المؤمنين من ذهب ولآلئ وحرير ، ولذا قال تعالى:{ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} .
يصح أن تكون من تبعيضه ، أي يحلون بعض أساور من ذهب ، وأساور جمع لسوار ، إذ هي جمع أسورة ، وأسورة جمع سوار ، ويصح أن تكون{ من} ابتدائية ، أي يحلون ، وحليتهم من أساور فتكون بيانية ، أي هي من أساور{ ولؤلؤا} عطف على محل{ من أساور} ، لأن محلها النصب أو نقول مفعول لفعل محذوف تقديره وترصع لؤلؤا ،{ ولباسهم فيها حرير} ، أي لا يلبسون إلا حريرا ، وهذا أقصى أحوال النعيم الحسي ، وقد يقال:كيف يذكر ذلك على أنه من نعيم أهل الجنة ، وقد وردت الآثار بأن الذهب والحرير حرام على رجال الأمة ، فكيف يذكران على أنهما من نعيم أهل الجنة{[1523]} .
والجواب عن ذلك:إن الجنة ليست دار تكليف ، إنما هي دار ثواب ، ولذا كان فيها أنهار من خمر لذة للشاربين ،{ لا يصدعون عنها ولا ينزفون 19} ( الواقعة ) ، وفوق ذلك أن الجنة فيها نعيم الرجال والنساء ، ولا شك أن الأساور واللآلئ والحرير من نعيم النساء ، والله سبحانه وتعالى هو المكافئ العلي القدير .
وإنه بجوار هذا النعيم الحسي من كل الجوانب في الجنة النعيم المعنوي ، ولذا قال تعالى:
{ وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد 24} .