{ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب 32} .
الإشارة إلى الحج ، والفاصل كان متعلقا بالحج ، فقد كان فيه الأمر باجتناب رجس الأوثان ، والكذب على الله بقول الزور والأمر بأن تكون الذبيحة لله ، وأن يكون البعد عن الإشراك ، وكل هذا إن لم يكن من الحج ليس بعيدا عنه ، ولذا كان الاعتراض بما هو تتميم للحج ، فالمعنى ذلك الحج بما فيه من حرمات ، وإذا كانت حرمات الله تعالى يجب أن تكون مصونة غير معتدى عليها ، فكذلك شعائر الله تعالى يجب أن تكون مصونة معظمة ، وشعائر الله تعالى جمع شعيرة ، وهي الأنعام التي وضعت عليها علامة على أنها خصصت للبيت الحرام تذبح فيه ، ولذا صحت نسبتها إلى الله تعالى أو إضافتها إليه عز وجل ، وجاء في مفردات الراغب الأصفهاني:"ويقال:شعائر الحج الواحد شعيرة . . .أي ما يهدي إلى بيت الله تعالى ، وسمي بذلك ، لأنها تشعر أي تعلم بأن تدمي بشعيرة أو حديدة يشعر بها"، وكانت واجبة التعظيم ، لا لذات البهيمة ، بل لأنها لبيت الله تعالى ، ولأنها دليل الاتجاه إلى العطاء الكريم في بيت الله ، ولأنها تكون لفقراء مكة الذين يكون إطعامهم استجابة لدعاء إبراهيم ، وتعظيمها ألا تمس بسوء ، وألا يعتدي عليها ، وأن يحافظ عليها وعلى الشعائر الذي أشعرت به ، وأن تختار من خير صنفها في عظامه وسنامه ، وسمنه ، وأن يكون لها أكل طيب بالنسبة لها . ويقول تعالى:{ فإنها من تقوى القلوب} ، الضمير في{ فإنها} يعود إلا الشعائر ، و"الفاء"واقعة في جواب الشرط ، وهو قوله تعالى:{ ومن يعظم شعائر الله} وكانت الشعائر من تقوى القلوب لأن تخصيصها لفقراء الحرم ، والاتجاه بها في العبادة مظهر حسي يدل على تقوى القلوب ، وهي بمقصدها وغايتها نابعة من التقوى ، وهي استشعار خشية الله تعالى والشعور بضيافته ، ويلتقي بالناس متساويا معهم فقيرا وغنيا ، ومعينا لفقيرهم ، ومكرما لضيوف الرحمن من الحجيج ، وأضيفت التقوى إلى القلوب ، لأن القلب هو مكان التقوى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"التقوى هاهنا"، وأشار إلى قلبه الكريم .{[1528]}