{شَعَائِرَ}: جمع شعيرة ،وهي العلامة ،وشعائر الله هي الأعلام التي نصبها الله لطاعته .
{ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} .تحدثت الآية السابقة عن تعظيم حرمات الله ،وأنه خير له عند ربّه لجهة ما يحصل عليه الإنسان من نتائج إيجابية على مستوى المصير نتيجة الوقوف عند حدود الله ،والابتعاد عن محرماته ،وفي هذه الآية حديث عن تعظيم شعائر الله التي تمثل العلامات البارزة في الخط الطويل الذي رسمه الله للإنسان في مسيرته إليه ،وحدد له فيه مفردات العبادة والمعاملة والعلاقة والانتماء .فقد جعل الله في كل موقعٍ من مواقع الحياة علامةً على أوامره ونواهيه ،في ما يصلح أمر الإنسان أو يبعده عن الفساد ،ليكون التزامه بتلك الأوامر والنواهي دليلاً على طاعة الله ،حيث يلتقي الإنسان به عند كل حكم من أحكامه ،في مظهر حيٍّ من مظاهر الطاعة التي تتجسد في تعظيم الشعائر الدينية ،تعظيماً لله ..ويتمثل ذلك في اهتمام الحاج بأن تكون الذبائح التي يقدّمها أضحيةً أو قرباناً لله لجهة شكلها وحجمها وطبيعتها ،واحترامه لحدود الله عند ذبحها لتكون كاملةً غير منقوصة ..
وفي ذلك دليل على التقوى التي تكمن في عمق الإنسان الذي يستشعر عظمة الله ويخشع له في حركة العبادة في الداخل ،لتتحول إلى تقوى في العمل الذي هو التجسيد الحيّ للمعنى الإيمانيّ الروحي في الخارج ..وبذلك كانت العبادة في الإسلام معنًى لا يتحدد في الشكل ،بما يمثله من صورةٍ ظاهرة ذات ملامح خاصة ،بل يمتد إلى المعنى الداخلي الذي يعيش في المضمون على مستوى التصور في الفكر ،والخشوع في الشعور ،والخفقة في الروح ،ليتعمّق الحضور الإلهي في وعي الإنسان ،بالإضافة إلى حضوره في حركة الواقع ،ليجتمع له تقوى القلب والجسد ،وليتكامل الموقف من خلالهما في تقوى الحياة كلها .