وقد وصف الله تعالى المخبتين الذين بشرهم سبحانه وتعالى بقوله:
{ الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 35} .
خلال أربع هي جماع خصال المؤمن الذي هذبت نفسه ، وتجمل بالصبر ، وأقام الصلاة ، وأنفق مما رزقه الله تعالى .
الخلة الأولى-{ إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} ، ( الوجل ) الخوف والخشية من الله ، لا لأنهم كثيرو الذنوب ، إنما هو لاستصغار حسناتهم ، واستكثار سيئاتهم وتصورها ، فهم من الله تعالى القوي القهار في وجل ، ومن خاف الله حذر مخالفته ، وحاول طاعته ، وسعى في مرضاته ، والوجل صفة أهل الإيمان كما قال تعالى:{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون 2} ( الأنفال ) ، وقال تعالى:{ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . . . 23} ( الزمر ) .
هذه حال الذين يعرفون الله ويتقونه حق تقاته .
الخلة الثانية- فيها الصبر ، ولذا قال تعالى:{ والصابرين على ما أصابهم} ، والصبر ضبط النفس ، وسيطرة العقل ، فإذا أصابهم أمر من أمور الدنيا المزعجة لا يهلعون ولا يفزعون ، ويضبطون أنفسهم ، فلا يكون عليهم شهوة جامحة ، فلا يكون الهوى سيدا مطاعا ، بل تكون الشهوة أمة لا سيطرة لها ، وإن كل شيء من مصائب الدنيا يهون أمام الصابر .
والخلة الثالثة – إقامة الصلاة ، أي أداؤها مقومة كاملة في ظاهرها وباطنها ، فتكون النفس خاشعة خاضعة قانتة تحس النفس بروعتها ، وأنها في حضرة ذي الجلال والإكرام وتمتلئ النفس بهيبته ، وتخشع لعظمته ، ولذا قال تعالى:{ والمقيمي الصلاة} عبر باسم الفاعل لبيان أن الصلاة صارت شأنا من شئونه لا يتخلف عنها ، والصلاة والصبر فيهما عون للمؤمن على الطاعة ، قال تعالى:{ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 40} ( البقرة ) .
والخلة الرابعة- الاتجاه إلى التعاون الاجتماعي ، وذلك بمعونة الفقير ، وسد الحاجات الاجتماعية والحربية ، وهذا قوله تعالى:{ ومما رزقناهم ينفقون} ، والإنفاق يشمل الزكاة المفروضة ، والصدقات المنثورة ، والصدقات تكفر الذنوب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار ){[1530]} ، ويشمل الذنوب والكفارات ، ويشمل الإنفاق في الجهاد كما قال تعالى:{ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة . . . 195} ( البقرة ) ، لأن ترك الإنفاق في الجهاد يؤدي إلى التهلكة والانهزام .
وقد تقدم قوله تعالى:{ ومما رزقناهم} على الفعل ، لبيان أن الإنفاق مما رزقهم الله وحده فليس من جهودهم ولا أعمالهم ولكن من توفيق الله تعالى ، ومن رزقه الذي رزقه إياهم .
وإن الإنفاق بكل أنواعه التي أشرنا إليها هو تعاون اجتماعي في السلم والحرب ، ولذا سماه الله تعالى الماعون فقال تعالى:{ فويل للمصلين 4 الذين هم عن صلاتهم ساهون 5 الذين هم يراءون 6 ويمنعون الماعون 7} ( الماعون ) ، وهي الزكاة ، لأنها يكون بها التعاون الدائم المستمر .