{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} في خوف عميق يستشعرونه في تصوّرهم العميق الممتد في الحياة للأسرار الخفيّة والظاهرة لمواقع العظمة في خلقه ،فيقودهم ذلك إلى الخضوع لإِرادته خوفاً من عقابه الذي لا يفلت منه أحد ،{وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَآ أَصَابَهُمْ} المتماسكين أمام التحديات الكبيرة في الحياة ،وأمام ما يحل بهم من بلاء مادي أو معنوي في أنفسهم وفي أهليهم وفي أموالهم ،وذلك بسبب الإيمان الضارب في أعماق الذات الذي يشكل ثبات الإنسان لاتصال القلب منه مع القوّة المطلقة المتمثلة في ذات الله ،{وَالْمُقِيمِي الصّلاة} التي يعرج فيها الإنسان إلى الله بروحه ،ويتحرك في مواقع طاعته بجسده ،حيث تصفو الروح بمناجاة الله ،ويخشع القلب بذكره ،ويتطهر الجسد بطاعته في مواقع الطهارة ،{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} فيعبدون الله بالصدقة التي يقدمونها للمحرومين من خالص أموالهم ،وفي ذلك تتجسّد العبادة في جوهر فكرة العطاء وحركتها مادياً ،فتتكامل العبادة لدى هؤلاء ،في خشوع القلب ،وثبات الموقف ،وصلاة الروح والجسد ،وحركة العطاء ..
وإذا كان العطاء المالي هو مظهر العبادة عندما ينطلق من رغبة القرب من الله ،باعتبار أنه تعالى يحبّ إعانة عباده المحرومين ،فإن العطاء الفكري والروحي ،الذي يتمثل في ما يقدمه الإنسان من فكرٍ للجاهل ومن طاقةٍ روحيةٍ للضالّ ،أو من قوة نفسية للضعيف وغير ذلك من أنواع العطاء ،يمكن أن يكون عبادةً بمعناها الواحد ،عندما تلتقي كل هذه الأشياء في موقف القربة إلى الله ،والرغبة في الحصول على رضاه ..
وذلك هو السرّ الذي يشكل قوام بناء الشخصية الإنسانية في الإسلام ،في ما يجتمع لديها من عناصر الحركة كلها في الحياة أمام الله .