وذكر سبحانه وتعالى نوعا ثالثا من الأشجار ، وهو الزيتون ، فقال تعالى:
{ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ( 20 )} .
الواو عاطفة ،{ شجرة} معطوفة على{ وجنات} ، أي أنشأنا شجرة ، وقال المفسرون جميعا ، إنها شجرة الزيتون وهي شجرة مباركة ، وتنكيرها لبيان فضل خيراتها ، و{ من} للابتداء أو بمعنى ( في ) ، والمعنى شجرة تخرج مباركة في طور سيناء ، والطور هو جبل الطور ، والمراد كل سيناء ، وعرفت بأكرم مكان فيها ؛ لأن فيه تجلى الله على موسى كليمه ، وهي أرض مقدسة من الأراضي التي شرفها الله تعالى بتقديسه ، وقد أقسم الله تعالى بها ، فقد قال عز من قائل:{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ( 3 )} [ التين] فقرنها في القسم بالبلد الأمين بيت الله الحرام ، وكان ذكرها لتوجيه الأنظار إليها وعدم تركها لقتلة الأنبياء وفسقة الأرض ، وليس لليهود أن يطلبوا تراث موسى أو ما خلفه ، لأن أحق الناس بموسى عليه السلام محمد صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه ، فلو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعه ، فإن يهود هذا الزمان ومن قبلهم مقطوعون عن موسىعليه السلامقد قتلوا الأنبياء ؛ ولأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قد نسخت شريعة التوراة ، وما جاء به موسى إلا ما أبقاه القرآن الكريم كشريعة القصاص .
وإن ذكر طور سيناء منسوبة إليها شجرة الزيتون ، لتوجيه عقول المسلمين إليها ، إذ الزيتون شجرته في كثير من أرض الله تعالى ، وقد وصف الله تعالى شجرة الزيتون بقوله:{ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} ، أي تنبت هذه الشجرة المباركة مصاحبة للدهن ، أي تنبت وقد أودعها الله تعالى الدهن ، وإن الذي ينبت هو أخشاب الشجرة ، ولكن لأن الدهن خلقه الله تعالى فيها ، وتفيض به جعلت كأنها أنبتت الدهن ذاته ، أو أن الدهن نبت مع أخشابها ، والدهن هو الزيت ، وإن فيه شفاء للناس ، وقد وصف الله تعالى شجرته بأنها مباركة فقال تعالى في سورة النور:{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء . . . ( 35 )} [ النور] .
والصبغ ، وهو إدام الطعام ، وإنه يؤخذ من زيتون الشجرة إذا لم يعصر زيته إدام للطعام ، يسهل تناوله ، وذكر سبحانه بعد ذلك نعم الله تعالى التي تجيء ثمرة للنبات الذي أنتجه الله تعالى بالماء .