قوله تعالى:{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلأَكِلِيِنَ} .قوله: وشجرة: معطوف على: جنات من عطف الخاص على العام .وقد قدمنا مسوغه مراراً: أي فأنشأنا لكم به جنات ،وأنشأنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء وهي شجرة الزيتون ،كما أشار له تعالى بقوله{يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [ النور:35] ،والدهن الذي تنبت به: هو زيتها المذكور في قوله:{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ} [ النور:35] ومع الاستضاءة منها ،فهي صبغ للآكلين: أي إدام يأتدمون به ،وقرأ هذا الحرف: نافع ،وابن كثير ،وأبو عمرو: سيناء بكسر السين ،وقرأ الباقون: بفتحها ،وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: تنبت بضم التاء ،وكسر الباء الموحدة مضارع أنبت الرباعي ،وقرأ الباقون: تنبت بفتح التاء ،وضم الباء مضارع: نبت الثلاثي ،وعلى هذه القراءة ،فلا إشكال في حرف الباء في قوله: بالدهن: أي تنبت مصحوية بالدهن الذي يستخرج من زيتونها ،وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو ،ففي الباء إشكال ،وهو أن أنبت الرباعي يتعدى بنفسه ،ولا يحتاج إلى الباء وقد قدمنا النكتة في الإتيان بمثل هذه الباء في القرآن ،وأكثرنا من أمثلته في القرآن ،وفي كلام العرب في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى{وهزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [ مريم:25] ،ولا يخفى أن أنبت الرباعي ،على قراءة ابن كثير ،وأبي عمرو هنا: لازمة لا متعدية المفعول ،وأنبت تتعدى ،وتلزم فمن تعديها قوله تعالى:{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ} [ النحل:11] وقوله تعالى:{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ ق:9] ومن لزومها قراءة ابن كثير ،وأبي عمرو المذكورة ،ونظيرها من كلام العرب قول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم *** قطيناً بها حتى إذا أنبت البقل
فقوله: أنبت البقل لازم بمعنى: نبت ،وهذا هو الصواب في قراءة: تنبت بضم التاء .خلافاً لمن قال: إنها مضارع أنبت المتعدي: وأن المفعول محذوف: أي تنبت زيتوتها ،وفيه الزيت .وقال ابن كثير: الطور: هو الجبل ،وقال بعضهم: إنما يسمى طوراً إذا كان فيه شجر ،فإن عرى عن الشجر ،سمي جبلاً لا طوراً .والله أعلم .وطور سيناء: هو طور سنين ،وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام ،وما حوله من الجبال ،التي فيها شجر الزيتون ا ه محل الغرض من كلام ابن كثير .
وفي حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة » رواه أحمد ورواه الترمذي ،وغيره عن عمر ،والظاهر أنه لا يخلو من مقال ،وقال فيه العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن عمر وابن ماجه فقط عن أبي هريرة ،وصححه الحاكم على شرطهما ثم قال: وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم .ا ه منه والعلم عند الله تعالى .